الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فذو القرنين المذكور في سورة الكهف في القرآن الكريم، كان ملكًا صالحًا عابدًا لله، وهذا ظاهر من خلال سياق القرآن، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وما أدري ذا القرنين أنبيًا كان أم لا. رواه الحاكم، وأبو داود، والبيهقي.
وهو - والله أعلم - غير الإسكندر المقدوني، وما ورد في حديث مرفوع: أن ذا القرنين هو الذي بنى الإسكندرية. لا يصح، فقد قال ابن كثير عن هذا الحديث: وفيه طول ونكارة، ورفعه لا يصح، وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل.
والعجب أن أبا زرعة الرازي مع جلالة قدره، ساقه بتمامه في كتابه: دلائل النبوة، وذلك غريب منه، وفيه من النكارة أنه من الروم، وإنما الذي كان من الروم الإسكندر الثاني، وهو ابن فيلبس المقدوني، الذي تؤرخ به الروم.
فأما الأول، فقد ذكر الأزرقي، وغيره: أنه طاف بالبيت مع إبراهيم الخليل -عليه السلام- أول ما بناه، وآمن به، واتبعه، وكان وزيره الخضر -عليه السلام-.
وأما الثاني، فهو إسكندر بن فيلبس المقدوني، وكان وزيره أرسطا طاليس الفيلسوف المشهور. والله أعلم.
وهو الذي تؤرخ من مملكته ملة الروم، وقد كان قبل المسيح -عليه السلام- بنحو ثلاثمائة سنة.
فأما الأول المذكور في القرآن، فكان في زمن الخليل -عليه السلام-، وقرب إلى الله قربانًا.
وقد ذكرنا طرفًا صالحًا من أخباره في كتاب: البداية والنهاية بما فيه كفاية. ولله الحمد. انتهى. من كتاب تفسير ابن كثير لقوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا {الكهف:83}.
فالحاصل؛ أن الذي ذكره مؤرخو الإغريق، ليس هو الذي تحدث عنه القرآن.
والله أعلم.