الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالصدقة الجارية تعرف عند أهل العلم بالوقف وهو تحبيس ذات معينة مع التصدق بمنفعتها؛ كما تقدم في الفتوى رقم :43607 . وشروط الوقف قد فصلها الرحيباني الحنبلي في مطالب أولى النهى ممزوجا بغاية المنتهى حيث قال : وشروطه أي : شروط الوقف المعتبرة لصحته ستة :
أحدها: كونه أي الوقف من مالك جائز التصرف وهو المكلف الرشيد؛ فلا يصح من صغير أو سفيه أو مجنون ، كسائر تصرفاتهم المالية .
الثاني: كونه أي الموقوف عينا؛ فلا يصح وقف ما في الذمة كقوله: وقفت دارا أو عبدا ولو موصوفا لأنه ليس بمعين معلومة يصح بيعها .
الشرط الثالث: كونه أي الوقف على بر وهو اسم جامع للخير، وأصله الطاعة لله تعالى، واشتراط معنى القربة في الصرف إلى الموقوف عليه لأن الوقف قربة وصدقة ، فلا بد من وجودها فيما لأجله الوقف، سواء كان الوقف من مسلم أو ذمي .
الشرط الرابع: من شروط الوقف كونه على معين من جهة كمسجد كذا، أوشخص كزيد، غير نفسه على المذهب، يملك ملكا ثابتا لأن الوقف يقتضي تحبيس الأصل تحبيسا لا تجوز إزالته.
الشرط الخامس: من شروط الوقف أن يقف ناجزا غير معلق ولا موقت ولا مشروط بنحو خيار.
الشرط السادس من شروط الوقف: أن لا يشترط الواقف فيه: أي الوقف ما؛ أي: شرطا ينافيه من الشروط الفاسدة كشرط نحو بيعه أو هبته متى شاء، أو شرط خيار فيه .انتهى.
وإن كان الشخص المذكور قد كتب بتمليك داره لشخص من أقاربه فهي ملك لذلك القريب، وليس هذا من باب الصدقة الجارية. وإنما هو من باب الهبة، وللواهب أجر ذلك موفى إن شاء الله تعالى. وإن كان قد كتب لهذا الشخص على أنها وقف لا تباع بل ينتفع بغلتها فهي صدقة جارية، وهذا التصرف صحيح إذا كان ناجزا وكان الواقف عاقلا بالغا رشيدا غير مكره فيحق له التصرف في ماله بالوقف أو بالهبة حسبما يريد. ففي كشاف القناع للبهوتي الحنبلي : قال في الاختيارات : ويجوز للإنسان أن يتصرف فيما في يده بالوقف وغيره حتى تقوم بينه شرعية أنه ليس ملكا له؛ لكن لا يحكم بالوقف حتى يثبت الملك . انتهى.
مع التنبيه على أن الوقف إن كان معلقا بالموت فهو في حكم الوصية, وعليه فإن كان الموقوف عليه هنا من ورثة الواقف فهذا الوقف لا يصح إلا إذا أمضاه بقية الورثة بشرط اتصافهم بصحة التصرف بأن يكونوا كلهم بالغين رشداء. وراجعي الفتوى رقم : 1543 .
والله أعلم .