الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما ذكرته عن تلك المرأة من أنها تسيء معاملة الجميع وخصوصاً أولادها، وأنها كانت تسيء معاملة زوجها، وقد طردته من المنزل، وأنها تتمنى للناس الموت، وتهدد بناتها بالقتل، وأنها حاولت خنق تلك التي وصفتها بأنها خطيبتك، إلى غير ذلك مما فصلته تفصيلاً، كلها أمور تدل على سوء أخلاق تلك الأم، والأخلاق هي أساس بناء الأمم، كما قال القائل:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت * فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وهذا ما أكدته النصوص النبوية المتكاثرة في هذا الشأن، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. رواه مالك في الموطأ. ومنه أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟ فأعادها ثلاثا أو مرتين، قالوا: نعم يا رسول الله، قال: أحسنكم خلقاً. رواه أحمد.
وفي صحيح البخاري عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من خيركم أحسنكم خلقاً. وقال عليه الصلاة والسلام: إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة: الثرثارون، والمتشدقون والمتفيهقون. رواه الترمذي وحسنه.
فعلى أولاد هذه المرأة ذكوراً أو إناثاً أن ينصحوها برفق ولين، وأن يدعوا لها في أوقات الاستجابة بالاستقامة وحسن الخلق، وليعلم هؤلاء الأولاد أن أعظم ما يمكن أن يتقربوا به إلى الله هو بر أمهم والحرص على رضاها فيما ليس فيه معصية ولو أساءت إليهم كل الإساءة، فقد قال الله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا {الأحقاف:15}، وقال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:14-15}.
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك. متفق عليه.
وكل ما ذكر من الإساءة لا يبرر قطيعة الأم ولا الإساءة إليها، وليس على أي من أولادها أن يتنازل عن نصيبه من الإرث لغيره تلبية لرغبة الأم، ولكن عليهم إذا أرادوا صرفها عن مثل هذه الطلبات أن يفعلوا ذلك بأسلوب يليق بها كأم.
ثم إننا ننبه السائل إلى أن أمر التركات أمر خطير جدا وشائك للغاية، وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقا لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقا لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.