الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك في أفضلية الصدقة الجارية، وهي أحد الأمور الثلاثة التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن المرء ينتفع بها بعد موته، قال صلى الله عليه وسلم-: إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية, أو علم ينتفع به, أو ولد صالح يدعو له. ولكن راتب التقاعد بعد موت صاحبه لا يصلح أن يكون صدقة جارية على الوجه الذي ذكر في السؤال. وذلك لأنه إما أن يكون مخصوما من أصل استحقاقات الموظف، فهو بمثابة الدين له، فهو ملك له، ويجب أن يقسم بين الورثة كما يقسم باقي تركته، لأنه جزء منها ، وإما أن يكون منحة من جهة العمل لعيال العامل بعد وفاته، فيجب حينئذ أن يصرف لمن خصصته الجهة المذكورة له دون غيره.
وإما أن يكون خليطا بأن يخصم منه شيء من أصل الاستحقاقات، وتتبرع جهة العمل بشيء آخر، فما كان منه مخصوما من الاستحقاقات، فهو جزء من التركة، يقسم كقسمتها، وما كان منه تبرعا من جهة العمل، فهو حق لمن صرفته له دون غيره.
وعليه، فالذي يملك التصرف في راتب الموظف بعد موته هو الجهة المستحقة له حسبما ذكر من التفصيل ، وأما الموظف فإذا كان يريد صدقة جارية، فعليه أن يفعلها من رواتبه قبل التقاعد، أو من راتب التقاعد قبل الموت.
والله أعلم.