الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن المسلم ينبغي أن لا يستسلم للوساوس والتخبط في أسئلة المشايخ، والتضارب والصراع النفسي. فهون على نفسك ولا تتعبها بما لست مكلفا به.
واعلم أنه لا تعارض بين ما ذكره شيخ الإسلام من أن شهود المنكر من غير حاجة ولا إكراه منهي عنه، وبين إباحة ركوب الطائرة لغرض مباح، إذ ليس معنى ركوب الطائرة الإذن في شهود المنكرات. فمن ركب الطائرة والتزم بغض بصره وتجنب كل ما يمكن أن يؤدي إلى الحرام، لا يقال إنه شهد المنكرات.
كما قولنا: إن حاضر المنكر باختياره لغير ضرورة مثل فاعله. وقولنا: وقد نص أهل العلم على أن سفر المرء إلى مكان يرى فيه المنكر ولا يقدر على تغييره أو يخاف من الوقوع فيه محرم إلا لضرورة ملجئة، ليس في شيء منها ما يتنافى وركوب الطائرة لغرض مباح لمن التزم بغض بصره وتجنب كل ما يمكن أن يؤدي إلى الحرام.
واعلم أن حضور المنكر في الساحات أو الحانات أو غير ذلك من الأماكن التي يمكن للمرء أن ينصرف عنها ليس مثل حضوره في الطائرة، لأن أقصى ما يمكن فعله في الطائرة هو غض البصر. وأما الأماكن المذكورة فيمكن للمرء الذهاب إلى أماكن غيرها ، ولا نرى أن ما قاله الشيخ الذي نسبته إلى السعودية يتعارض مع ما ذكر أيضا.
وتفسير قول الله تعالى: وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا {الفرقان: 72 } قال فيه ابن كثير: أي لا يحضرون الزور، وإذا اتفق مرورهم به مروا ولم يتدنسوا منه بشيء، ولهذا قال مروا كراماً. وهذا كما رأيت ليس بعيدا مما قاله لك الشيخ الذي سألته عن هذه الآية.
وإذا سافرت إلى إحدى الدول ثم ذهبت إلى مطعم وكانت التي تقدم الطعام امرأة متبرجة فلا مانع لك من الأكل داخله مع غض البصر, مع أنك لو اخترت مطعما لا توجد فيه امرأة متبرجة كان ذلك أحسن، وما قلناه في المطعم نقول مثله في الذهاب إلى مكان استئجار ألعاب ترفيهية مباحة، ونرجو بهذا أن نكون قد أجبنا على طلبك، ونطلب منك نحن بدورنا أيضا وننصحك بأن لا تدع مجالا للشيطان إلى شخصيتك.
والله أعلم.