الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد بينا حكم النمص وأدلته الصريحة الصحيحة في الفتاوى ذات الأرقام التالية :8472 ، 22244 ، 17609 ، 51123 ، ومن أدلته حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا كما قال صاحب المقال. وقد أسس بنيانه كله على تلك الدعوى . فهي واهية وما بني عليها لتصريح عبد الله بن مسعود بلعن النبي صلى الله عليه وسلم لفاعل ذلك، وقد تصدى لصاحب المقال بعض الكتاب، وهذا رد أحدهم وهو الدكتور تيسير سعد حيث يقول: قرأت في صحيفة "الوطن" يوم السبت 17/2/1426هـ ما كتبه نجيب يماني عن النمص تفاعلا مع ما كتبه خالد السيف عن الموضوع ذاته وإن كان تناول كل واحد منهما يختلف عن الآخر ما بين عدم تعظيم شعائر الله أو الجهل بأحكام الشريعة ومقاصدها الشريفة.
ناهيك عن وجود عبارات لا داعي لها نحو قول أحدهما عن كثرة السؤال عن النمص: "فقد شاع بصورة بلغت حدا من السرف الباذخ مجتمعياً" وقول الآخر عن النساء اللاتي التزمن أمر ربهن ولم ينمصن أو يتنمصن: "رأينا بعضهن ممن يخفن من اللعن قد تركن حواجبهن حتى التصقت بمقدمة شعورهن فأصبحت وجوههن كأنها أسود غاب"! وقوله: "وكما حقنت عقولنا بالكثير من الأفكار الخاطئة في فترة من الزمن...". لن أفيض في ذكر النمص وأحكامه فقد كفانا علماؤنا الأجلاء ذلك كله وبيان تحريمه بالأدلة الصحيحة المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن غير واحد من الصحابة، لكنني سأقف وقفات يسيرة مع المغالطات الشرعية والعلمية والمنهجية التي وقع فيها الكاتب نجيب يماني، وأولى تلك المغالطات استياؤه الشديد من تكرار ذكر أحكام النمص على لسان كل شيخ وإمام في المساجد والمدارس والجامعات وحفلات الزواج والمناسبات، ولا أجد أبلغ ردا على ذلك من قوله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ . وقوله تعالى : إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا . المغالطة الثانية حكمه وتقريره بأن حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه في النهي عن النمص بأنه حديث موقوف عليه أي أنه من كلام عبد الله بن مسعود وهذا لم يقل به أحد مطلقا من العلماء متقدمهم ومتأخرهم، وكيف يكون الحديث موقوفا وقد ورد فيه قول ابن مسعود رضي الله عنه: (ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟) فهذا نص صريح في الرفع ولا يلزم أن يقول الصحابي حدثني أو سمعت. ويقول كذلك في مغالطة أخرى: (بالعقل والمنطق لو كان هذا الحديث لعن الله النامصة من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانت السيدة عائشة هي أول من قالت به فهي الأقرب لمسائل النساء وأحوالهن وأولى برواية هذا الحديث من ابن مسعود)، فماذا يقول الكاتب عن أبي هريرة رضي الله عنه الذي يعد أكثر الصحابة رواية للأحاديث وقد روى عددا كبيرا من الأحاديث المتعلقة بالنساء وأحكامهن؟ فهل كان الأجدر بأبي هريرة ألا يرويها لأنها من اختصاص النساء؟ فهذا تقسيم عجيب لم يسبق أحد الكاتب إليه !.
ويقول أيضا: (وعلى المرأة أن تعرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يلعن المرأة لمجرد أنها حفت حواجبها فاللعن الطرد من رحمة الله وهو عقاب عظيم لذنب أعظم وكيف تطرد من رحمته من تزينت لزوجها وأماطت الأذى عن وجهها وجسمها؟)، وكأن الكاتب يعترض على حكم الله ورسوله بمثل هذه العبارات.
وهذه المغالطة المتعلقة برد النص بناء على معارضة العقل تحتاج لكلام طويل كفانا مؤونته علماؤنا الأجلاء في ردهم على المدرسة العقلية وبيان خطئها في رد النصوص الشرعية، ولو جمع الكاتب طرق وروايات الحديث لانزاحت عنه إشكالات كثيرة ومن ذلك أنه ورد في بعض الطرق الصحيحة لهذا الحديث كما عند الإمام أحمد في مسنده 1/415 قول المرأة السائلة لعبد الله بن مسعود: (فلعله في بعض نسائك) هكذا قالت: (فلعله) ولم تجزم، وقد تبين عدم ذلك ولو صح ما قاله الكاتب لكانت العبرة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم فهو حجة على كل أحد.
المغالطة الرابعة: أن الكاتب ضعف الحديث واعتبره غريبا بناء على أنه موقوف على الصحابي واعتبر ذلك كله علَّة خفية غامضة! تقدح في صحة الحديث، هكذا قال الكاتب شيئا لم يقله علماء الأمة قبله وأتى باصطلاحات جديدة في علم الجرح والتعديل ونقد المتون، وضعف حديثا مرفوعا صحيحا في صحيح البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله!!! بل الحديث متفق عليه كما قال ابن حجر قبل قليل، ولكن الكاتب يقول وبالحرف الواحد: (وللعلم فإن حديث ابن مسعود عن لعن النامصة حديث موقوف عليه وليس بمرسل ولا مرفوع)، ثم يقول: (وحديث النامصة أقولها لكل امرأة سمعت هذا الحديث فعملت به لم يرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البتة...) وقال: (فحديث النمص ليس من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما هو قول لابن مسعود وكم حقنت عقولنا بالكثير من الأفكار الخاطئة في فترة من الزمن...)!.
المغالطة الخامسة: أنه نسب أمورا إلى عائشة رضي الله عنها هي براء منها، نحو قوله: (وقد بحثت في فقه أم المؤمنين ولم أجدها تقول بهذا الحديث الغريب)، ولا يدرى ما هو فقه عائشة رضي الله عنها هذا الذي يقصده الكاتب؟.
وقد تقدم أن ابن حجر ذكر أن لها رواية لهذا الحديث، ثم ذكر الكاتب نصوصا عامة عن عائشة رضي الله عنها لا تفيد ما ذهب إليه بل في إزالة الشعر بالجملة والتجمل للزوج، وبعض هذه النصوص رجعت إليها في مظانها الأصلية فوجدتها ضعيفة جدا، ولذا قال ابن حجر في فتح الباري 10/377 بعد أن ذكر حديث عائشة رضي الله عنها في النهي عن الوصل والنمص وغيرهما: (وفي حديث عائشة دلالة على بطلان ما روي عنها أنها رخصت في وصل الشعر بالشعر... الحديث) ولو صح ما روي عن عائشة رضي الله عنها فيحمل على ما كان مؤذيا أو ما يحصل به الضرر، قال الإمام الطبري: (لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها بزيادة أو نقص التماس الحسن للزوج ولا لغيره كمن تكون مقرونة الحاجبين... فكل ذلك داخل في النهي وهو من تغيير خلق الله تعالى ويستثنى من ذلك ما يحصل به الضرر) الفتح 10/377.
وأما ما نقله الكاتب عن بعض الحنابلة فقد نقله من غير المصادر الأصلية وتمام كلامهم في المسألة: (.... يجوز التزين بما ذكر إلا الحف فإنه من جملة النماص) انظر المغني، وما صح مما ورد عن عائشة رضي الله عنها يحمل على ما عدا الحواجب إذا كان مؤذيا أو كانت هناك ضرورة.
وأخيرا أحب أن أذكر للكاتب أن بعض علمائنا الأجلاء أفتى بجواز تشقير الحواجب وفي هذا مندوحة عن النمص وأذكر أيضا شهادة نساء كن ينمصن فماذا حدث لهن؟ لقد حدث لديهن ترهل في الحواجب من كثرة النمص فأصبحن كالعجائز وهن ما زلن في عمر الزهور! بل إن بعضهن مات تحت يد النامصة لملامستها عرقاً حساساً في تلك المنطقة حسب تقرير الطبيب الشرعي، واضطر بعضهن لمراجعة عيادات التجميل من كثرة النمص."
هذا ما كتبه أحدهم في الرد عليه وخلاصة القول أننا ننصحك أيتها السائلة الكريمة بالإعراض عن مثل تلك الكتابات والشبه التي تقذف من هنا وهناك تشكيكا في ديننا ونقضا لمبادئنا. والعلم لايؤخذ من المنتديات ولا من الصحف والمجلات . إذ هي منبر لكل من هب ودب . وتجمع الصالح و الطالح . ولا تميز بين الغث والسمين ولا بين الدر والطين.
فعلينا معاشر المسلمين أن نتقي الله تعالى في أنفسنا وفي ديننا فلا نأخذه إلا عن أهله ذوى الصلاح والتقى الذين يخافون ربهم ويعلمون أنهم ملاقوه فلا يتقولون عليه مستحضرين قوله تعالى : وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا {الإسراء:36} وقوله : وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ {النحل:116}
ونسأل المولى جل وعلا أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وأن يعصمنا من الخطأ في القول والعمل إنه سميع مجيب.
والله أعلم .