الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية: عن شعيب بن صفوان حدثني ابن لسعيد بن العاص قال: كان آخر خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد... فإنكم لم تخلقوا عبثاً، ولم تتركوا سدى، وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للحكم فيكم والفصل بينكم، فخاب وخسر من خرج من رحمة الله تعالى وحرم جنة عرضها السموات والأرض، ألم تعلموا أنه لا يأمن غداً إلا من حذر اليوم الآخر وخافه، وباع فانيا بباق، ونافدا بما لا نفاد له، وقليلاً بكثير، وخوفاً بأمان. ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وسيكون من بعدكم للباقين كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين، ثم إنكم في كل يوم تشيعون غادياً ورائحاً إلى الله لا يرجع قد قضى نحبه حتى تغيبوه في صدع من الأرض في بطن صدع غير موسد ولا ممهد، قد فارق الأحباب وواجه التراب والحساب، فهو مرتهن بعمله، غني عما ترك، فقير لما قدم، فاتقوا الله قبل القضاء، راقبوه قبل نزول الموت بكم، أما إني أقول هذا. ثم وضع طرف ردائه على وجهه فبكى وأبكى من حوله..
وفي رواية: وأيم الله إني لأقول قولي هذا ولا أعلم عند أحد منكم من الذنوب أكثر مما أعلم من نفسي، ولكنها سنن من الله عادلة أمر فيها بطاعته ونهى فيها عن معصيته، وأستغفر الله. ووضع كمه على وجهه فبكى حتى بل لحيته، فما عاد لمجلسه حتى مات رحمه الله.
والله أعلم.