الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الشيخ لم يدَّع رفع هذا الدعاء، ونحن لا نعلم ما يثبت رفعه، ولا نعلم دعاء مأثورا خاصا بهذه المسألة، ولكن هذا الدعاء قد احتوى على الاسم الأعظم الذي يستجاب لمن دعا به، ففي المسند والسنن عن بريدة قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب.
وفيه الدعاء بما هو من جوامع الدعاء، وهو أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو قوله: رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخير من الدعاء أجمعه كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك. رواه أبو داود، قال في عون المعبود: وهي ما كان لفظه قليلا ومعناه كثيرا، كما في قوله تعالى: رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
وفي صحيح البخاري وغيره عن أنس قال: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .
مع أن من أهل العلم من فسر الحسنة في الدنيا بالمرأة الحسناء الصالحة، ومنهم علي رضي الله عنه كما ذكر القرطبي، وقيل الآية عامة في جميع نعيم الدنيا، ومن نعيمها المرأة الصالحة الحسناء، وممن مال إلى ذلك الطبري وابن كثير وغيرهم من أئمة التفسير.
ثم إنه ينبغي أن يعلم أن الإنسان يمكنه أن يدعو الله بما شاء من خيري الدنيا والآخرة ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم، وقد صرح أهل العلم بأن الدعاء مستحب مطلقا سواء كان مأثورا أو غير مأثور.
ويدل لهذا أن الله سبحانه وتعالى قريب مجيب لمن دعاه، وقد تعهد بذلك ولم يقيده بلفظ؛ كما قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186} وقال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60}
وفي صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل، قيل يا رسول الله، وما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجب لي فيستحسر ويدع الدعاء.
وفي الحديث عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم التشهد ثم قال في آخره: ثم ليتخير من المسألة ما شاء. رواه مسلم. وفي الحديث: ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعليه. رواه أبو يعلى، وقال محققة حسين أسد: إسناده صحيح على شرط مسلم، وحسنه الألباني في المشكاة.
وبناء على هذا، فإنا لا نرى حرجا في الدعاء بهذا الدعاء في بعض الأحيان، ولكنه يتعين التنبه إلى أن الالتزام به وترتيب حصول الزواج عليه لمن دعا به كل ذلك مخالف للسنة، بل للداعي أن يدعو به وبغيره، ولا يقتصر حصول المطلوب على الدعاء به، والالتزام بالمأثور من الدعاء والحض عليه والاستغناء به عن غيره هو الأولى، فكم من الأدعية الكثيرة من الكتاب والسنة الجامعة لخيري الدنيا والأخرى تشمل هذه المسألة مثل: اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر. اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله ماعلمت منه وما لم أعلم.
ومنها الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله كيف أقول حين أسأل ربي؟ قال: قل: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني، فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك. رواه مسلم من حديث طارق الأشجعي.
إلى غير ذلك من الأدعية المأثورة الجامعة لخير الدنيا والآخرة وهي موجودة في كتب الأذكار.
هذا، ويتعين على الناس السعي في تحصيل العفة بالزواج وأن يستعينوا بالأسباب المشروعة وبالتقوى والعمل الصالح على تحصيل نفقات الزواج، وعلى المجتمعات أن تتعاون على تحقيق ذلك بمساعدة بعضهم بعضها، والسعي في تخفيف المهور وترك التكلف، وبعرض الأولياء نساءهم على من يرتضى دينه، فقال قال الله تعالى: وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {النور:32}
والله أعلم.