الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كنت لم تتنازل عن حقك في الميراث إلا بسبب ما ذكرت والدتك من قلة المال الذي تركه والدك وعلى شرط أن تكمل أختك تعليمها، فهذا التنازل عبارة عن هبة مشروطة بقلة المال وإكمال الأخت لدراستها، فإن لم يتحقق الشرطان كما هو الواقع كان لك الرجوع في هذه الهبة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: المسلمون عند شروطهم فيما أحل . رواه الطبراني ، وإلى هذا ذهب شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله كما في الإنصاف من كتب الحنابلة ، وراجع الفتوى رقم : 49869 ، وإذا منعتك والدتك من نصيبك في الميراث في المال الذي في بريطانيا واستولت عليه كان لك أن تأخذ من مالها بقدر حقك، وهذا ما يعرف عند العلماء بمسألة الظفر ، وراجع فيها الفتوى رقم : 28871 ، وأما المال الذي تركه والدك في السعودية فلك منه بقدر نصيبك من الميراث، أما بقيته فهو لبقية الورثة ، ويجب أن يوزع عليهم على حسب القسمة الشرعية للميراث، ولا يجوز أخذ شيء منه إلا برضاهم، ولا يؤثر في ذلك رغبة أختيك في التنازل لوالدتك عن نصيبيهما لأنه لا ينتقل إلى ملك والدتك إلا بقبضها له ، أما قبل ذلك فهو ملك لأختيك لا يجوز الاعتداء عليه .
والذي ننصحك به إذا كنت تستطيع سداد ديونك وتدبير معاشك مع الاستغناء عن نصيبك في الميراث أن تتركه أو تترك بعضه لوالدتك برا بها ، ولا يمنع من ذلك كونها تفضل أخاك عليك فهذا ليس بأعظم من كفرها، ومع ذلك فقد قال تعالى : وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان: 15 } أما بالنسبة لأختك الصغرى فلا ريب أن الأفضل المشروع لها أن تقيم معك لأن ذلك أستر لها وأبعد عن الفتنة والمنة عليها، وعليها أن تطيعك في ذلك لأنك وليها المسؤول شرعا عنها، ويمكن أن توسط أحدا من أهل الخير والصلاح ليصلح بينكم ويقنع أختك بذلك، ولا يجوز لها أن تقيم في ذلك البيت إذا ترتب على ذلك شيء من المحرمات كخلوة الأجنبي بها أو اطلاعه على شيء مما لا يجوز لها أن تكشفه أمامه ، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، وراجع الفتوى رقم : 2523 .
والله أعلم .