الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن علم من هؤلاء أنه فقير معدم لا يجد ما يشترى به ما يأكل أو يشرب أو يلبس ونحو ذلك من الضرورات له ولمن يعول ولم يجد من يوفر له ذلك، واضطر إلى السرقة ليدفع عن نفسه أو عائلته الجوع والهلاك فإن معاقبته على هذه السرقة لا تجوز لأنه في مثل هذه الحالة يجب بذل الطعام ونحوه له، إلا إذا كان من يملك ذلك مضطرا إليه أيضا فإنه في هذه الحالة أحق به من غيره ففي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أطعموا الجائع. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: المضطر إلى طعام الغير إن كان فقيرا فلا يلزمه عوض إذ إطعام الجائع وكسوة العاري فرض كفاية، ويصيران فرض عين على المعين إذا لم يقم به غيره. وقال الإمام ابن قدامة في المغني: قال أحمد: لا قطع في المجاعة يعني أن المحتاج إذا سرق ما يأكله فلا قطع عليه لأنه كالمضطر. وهذا محمول على من لا يجد ما يشتريه أو لا يجد ما يشتري به..اهـ
وأما من لم يعلم أنه فقير معدم على حسب ما وصفنا أو كان يسرق الكماليات أو يسرق مع كونه يجد ما يشتري به فالمشروع في هذه الحالة استرداد المسروق منه إذا كان باقيا على حاله، أو تغريمه قيمة ما سرق دون زيادة على ذلك إذا كان المسروق قد تغير، وهذا لعموم قوله تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ {النحل:126} مع نصيحته والستر عليه، اللهم إلا أن يتكرر منه ذلك فيرفع أمره إلى من يأخذ على يديه ويكفه عن السرقة.
ولا بأس برفع أسعار المعروضات تعويضا عما يتعرض له المحل من سرقات، وإن كنا لا ننصح بذلك لما في ذلك من تنفير الناس عن هذا المحل.
ولعل من المناسب أن نختم الفتوى بهذا الحديث الذي فيه الحض على إطعام الفقراء والمساكين والرأفة بهم، ففي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أيما مسلم أطعم مسلما على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، أيما مسلم سقى مسلما على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم.
تنبيه : هذا الحديث وإن تكلم في سنده فإنه يسوغ الاستئناس به في هذا الباب : (باب فضائل الأعمال).
والله أعلم.