كيف يكون الإنسان داعية؟

13-6-2001 | إسلام ويب

السؤال:
كيف أكون داعية؟

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:

فنظراً لأهمية الدعوة إلى الله تعالى، حيث هي عمل الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وأتباعهم، كان لا بد للقائم بها من التحلي بصفات وآداب أساسية ذكرها أهل العلم في مصنفاتهم، وإليك ملخصها فيما يلي:

1- الإيمان العميق بما يدعو إليه: فإنه بقدر إيمان الداعية بدعوته، وتفهمه لضرورتها وحاجة الناس إليها ينجح في دعوته قال تعال: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مريم: 12]. وقال: فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا [الأعراف: 145].

كما كان تصميم النبي -صلى الله عليه وسلم- على المضي في الدعوة تصميماً قوياً يقطع جميع أنواع التردد والمساومات.

2- الاتصال الوثيق بمن يدعو إليه: فالداعية أحوج الناس إلى الاتصال الوثيق بالله -عزَّ وجلَّ- ليستمد منه العون والتوفيق، ومن مظاهر هذه الصلة الوثيقة بالله:
* إخلاص النية لله -سبحانه- في هذه الدعوة، فلا يرجو من ورائها إلا رضاه سبحانه، ولا يتطلع من ورائها إلى مكاسب شخصية، أو منافع دنيوية، وألا يتخللها شيء من الرياء. وحديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم جهنم معروف ومشهور رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه: رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال تعلمت العلم، وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار.
إلى غير ذلك من الأدلة التي تبين ضرورة الإخلاص وأهميته، ولا يخفي أنه شرط لقبول العمل.

* محبة الله -عزَّ وجلَّ-، والإكثار من عبادته وذكره، والإكثار من النوافل وفي الحديث: وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه. رواه البخاري.

فأي شيء أعظم من محبة الله سبحانه لعبده! وأي توفيق أعظم من هذا التوفيق، وأي تأييد أعظم من هذا التأييد الذي يكون لمن أحب الله، والداعية أحوج ما يكون إلى التوفيق والتسديد وإجابة الدعاء!

3- العلم والبصيرة بما يدعو إليه: قال تعالى مخاطباً نبيه -صلى الله عليه وسلم-: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف: 108].

وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه بقوله: باب العلم قبل القول والعمل، والداعية الجاهل يضر بالدعوة ويشوهها، ويفقد الناس ثقتهم بصدقها وأهميتها، وكيف يأمر وينهى من لا يعرف الأمر والنهي؟! والكلام حول العلم وأهمية للداعية يطول.

4- العمل بالعلم والاستقامة في السلوك: فلا خير في داعية لا يوافق عمله علمه، ولا يستقيم سلوكه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف: 2-3]، والداعية الذي لا يعمل بعلمه يفقد المصداقية عند الناس، ويفضح يوم القيامة. قال صلى الله عليه وسلم: يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تك تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه. رواه البخاري ومسلم.

5- الوعي الكامل: وهو إدراك ما يحيط بالدعوة، فلا يغني العلم عن الوعي، فلا بد للداعية من وعي شامل بعدة أمور:
- بواقع الدعوة ومتطلباتها في عصره.
- بواقع المدعوين من حوله.
- بواقع الداعية نفسه، وما يحيط به من ظروف وأحوال.

فإذا لم يع الداعية هذه الأمور تخبط في دعوته، وجرّ إليها النكبات والكوارث من حيث يريد الإصلاح، شعر بذلك أم لم يشعر، فعلى أساس هذا الوعي: توضع الخطط، وتحدد الأولويات، وتعقد الموازنات، وبالوعي تكتمل بصيرة الداعية بدعوته.

6- الحكمة في الأسلوب: فعلى الداعية أن يكون حكيماً في أسلوب دعوته، يختار لمن يدعوهم الأسلوب الحسن المناسب، إذ الحكمة (وضع الشيء في موضعه)، وما أحسن قوله تعالى: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة: 269].

كما أمر الله باتباع الحكمة فقال: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125]. إذاً الحكمة اختيار الأسلوب المناسب في الوقت المناسب بحسب حال المخاطب.

7- التخلق بالخلق الحسن: وهذه أهم صفة توثق صلة الداعية بالمدعوين، وقد مدح الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ووصفه بحسن الخلق، فقال: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4]، وبين سبحانه أهمية الخلق في باب الدعوة بقوله: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران:159]، ولا شك أن حسن الخلق شأنه عظيم.

ومما يدل على ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً. رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح، وقوله صلى الله عليه وسلم: ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء. رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.

ومن هنا؛ فلا بد للداعية أن يجاهد نفسه، للتحلي بالأخلاق الحسنة، واجتناب الأخلاق السيئة.

8- إحسان الظن بالمسلمين: فعلى الداعية أن يحسن الظن بالمسلمين، وأن يجري أحكامه فيهم على الظاهر، ويكل أمر السرائر إلى الله تعالى، قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات:12].

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث. رواه البخاري ومسلم، ولا يستلزم إحسان الظن بالناس الغفلة عن واقعهم، والسكوت عن أخطائهم، ولكنه قد يستلزم حمل أقوالهم وأحوالهم على الأصلح، كما لا يتعارض حسن الظن مع الحذر، فإن المؤمن كيس فطن.

9- أن يستر على الناس عيوبهم: قال تعالى محذراً من إشاعة الفاحشة في المؤمنين: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [النور:19].

ويكفي في فضيلة الستر قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا يستر عبد عبداً في الدنيا، إلا ستره الله يوم القيامة. رواه مسلم.

10- أن يخالط الناس حيث تحسن الخلطة، ويعتزلهم حيث يحسن الاعتزال.

11- أن ينزل الناس منازلهم، وأن يعرف لأهل الفضل فضلهم. ففي الحديث عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم. رواه مسلم تعليقاً في مقدمة صحيحه، وحسنه العجلوني، وصححه الحاكم.

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا. رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح.

12- وأخيراً: أن يتعاون مع غيره من الدعاة، ويتشاور ويتناصح معهم، لقوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 2].

فالعمل الدعوي من أعظم أوجه البر الذي يتطلب التعاون والتناصح والتشاور. قال تعالى: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى: 38]. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم. رواه مسلم.

هذه مجموعة من الصفات والآداب اللازمة للمسلم، ليكون داعية موفقاً في دعوته، ولمن أراد المزيد الاطلاع على ما كتب في هذا الباب وهو كثير، ومن ذلك: أصول الدعوة لعبد الكريم زيدان، ومدخل إلى علم الدعوة لمحمد أبي الفتح البيانوني.

والله أعلم.

www.islamweb.net