الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
فجوز للرجل أن يبول قائما، لا سيما في الحالة التي ذكرها السائل، وهي عدم إمكانية الجلوس على تلك الحمامات؛ لكونها متسخة، لكن عليه أن يحترز من يصيب البول بدنه أو ملابسه، أو أن تنكشف عورته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح عمدة الفقه: وَلَا يُكْرَهُ الْبَوْلُ قَائِمًا لِعُذْرٍ، وَيُكْرَهُ مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ إِذَا خَافَ أَنْ تُرَى عَوْرَتُهُ، أَوْ يُصِيبَهُ الْبَوْلُ. فَإِنْ أَمِنَ ذَلِكَ، لَمْ يُكْرَهْ فِي الْمَنْصُوصِ مِنَ الْوَجْهَيْنِ؛ لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ، فَبَالَ قَائِمًا». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
وَفِي الْآخَرِ يُكْرَهُ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ، مَا كَانَ يَبُولُ إِلَّا جَالِسًا». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هُوَ أَحْسَنُ حَدِيثٍ فِي هَذَا الْبَابِ، وَأَصَحُّ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ كَانَ الْجُلُوسَ، وَأَنَّ بَوْلَهُ قَائِمًا كَانَ لِعُذْرٍ إِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْجُلُوسِ فِي السُّبَاطَةِ، أَوْ لِوَجَعٍ كَانَ بِهِ. لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بَالَ قَائِمًا مِنْ جُرْحٍ كَانَ بِمَأْبِضِهِ» أَيْ تَحْتَ رُكْبَتِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَانَتِ الْعَرَبُ تَسْتَشْفِي لِوَجَعِ الصُّلْبِ بِالْبَوْلِ قَائِمًا، فَتُرَى لَعَلَّهُ كَانَ بِهِ إِذْ ذَاكَ وَجَعُ الصُّلْبِ، وَلَكِنْ قَدْ رُوِيَتِ الرُّخْصَةُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَأَنَسٍ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ، فَمَنِ ادَّعَى الْكَرَاهَةَ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ. انتهى.
والله اعلم.