الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد روي الخلال والدارقطني عن عطاء عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلوا على من قال لا إله إلا الله. وهذا الحديث قال فيه العجلوني في كشف الخفاء: وكل طرقه واهية كما صرح به غير واحد. انتهى.
وقد ضعفه الألباني في الإرواء وذكر عدة طرق له، وذكر أنه تبين من هذا التجريح والتتبع لطرق الحديث أنها كلها واهية جداً، كما قال الحافظ في التلخيص، وقال المناوي في شرح الجامع الصغير عند شرح هذا الحديث: قال في المهذب: أحاديث الصلاة على من قال لا إله إلا الله واهية، وأورد له ابن الجوزي طرقاً كثيرة وقال: كلها غير صحيحة، وقال الهيثمي: فيه محمد بن الفضل بن عطية وهو كذاب وقال ابن حجر: فيه محمد بن بن الفضل متروك، ورواه ابن عدي عن ابن عمر أيضاً من طريق آخر وفيه عثمان بن عبد الله العثماني يضع، ورواه الدارقطني من طريق عثمان بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عمر، وعثمان كذبه ابن معين وغيره ومن حديث نافع عنه وفيه خالد بن إسماعيل عن العمري، وخالد متروك. انتهى.
وقال الغرباني في اختصاره للدارقطني: هذا حديث له خمس طرق ضعفها ابن الجوزي في العلل، ففي الأول عثمان الوقاص، قال يحيى: كان يكذب وتركه الدارقطني، وقال البخاري: ليس بشيء، وفي الثاني محمد بن العيسى بالياء كذبه يحيى، وفي الثالث وهب بن وهب يضع الحديث، وفي الرابع عثمان بن عبد الله كذلك قاله ابن حبان وابن عدي، وفي الخامس أبو الوليد المخزومي خالد بن إسماعيل قال ابن عدي: وضاع. انتهى.
وأما القصة فقد رواها الخلال في جامعه قال ابن قدامة في المغني: قال الخلال: ثنا يحيى، ثنا عبد الوهاب، ثنا هشام بن حسان عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبي شميلة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى قباء فاستقبله رهط من الأنصار يحملون جنازة على باب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ قالوا: مملوك لآل فلان قال: أكان يشهد أن لا إله إلا الله؟ قالوا: نعم، ولكنه كان وكان، فقال: أكان يصلي؟ قالوا: قد كان يصلي ويدع، فقال لهم: ارجعوا به فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه وادفنوه، والذي نفسي بيده لقد كادت الملائكة تحول بيني وبينه. انتهى.
وقد رويت بروايات أخرى متقاربة الألفاظ فقد رواها عبد الرزاق في المصنف وابن وهب في المدونة بسندهما عن ابن أبي مليكة مرسلة وفي روايتهما الجزم بأنه كان يصلي، ورواها عبد الرزاق رواية أخرى فيها انقطاع وفيها الجزم بأنه كان يصلي، ويشهد لها ما رواه الطبراني في الأوسط بسنده بلفظ قريب من هذا اللفظ فقال: حدثنا أحمد قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل المقرئ قال حدثنا الحسن بن كثير بن فائد عن أبيه عن ثابت البناني عن أنس بن مالك: أن النبي مر في بعض سكك المدينة فرأى رجلا أسود ميتاً قد رموا به في الطريق فسأل بعض من ثم عنه فقال مملوك من هذا فقال مملوك لآل فلان، فقال أكنتم ترونه يصلي فقالوا كنا نراه أحيانا يصلي وأحيانا لا يصلي فقال قوموا فاغسلوه وكفنوه فقاموا فغسلوه وكفنوه وقام رسول الله فصلى عليه فلما كبر قال سبحان الله سبحان الله فلما قضى رسول الله صلاته قال له أصحابه يا رسول الله سمعناك كلما كبرت تقول سبحان الله سبحان الله فلم قلت سبحان الله سبحان الله فقال كادت الملائكة أن تحول بيني وبينه من كثرة ما صلوا عليه. لم يرو هذا الحديث عن ثابت إلا كثير بن مرة بن فائد تفرد به ابنه وقد جود الهيثمي إسناد الطبراني وكثير بن مرة وثقه ابن حبان وقال فيه الذهبي في الميزان وقد حمل الطبراني الحديث على أن موالي الميت كانوا ربما شهدوه يصلي وربما صلى حيث لا يرونه فاستخفوا به لذلك قال الطبراني رحمه الله: قال أبو القاسم وتفسير هذا الحديث أن مواليه كانوا ربما شهدوه يصلي وربما صلى حيث لا يرونه فاستخفوا به لذلك، ولو كان يترك من الصلاة شيئاً لا يصليه كان كافراً لأن النبي قال بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة.
وقد ذكر ابن قدامة في المغني أن تارك الصلاة تهاونا يصلى عليه وأنه لا يكفر وأن ذلك إجماع المسلمين وقال: فإننا لا نعلم في عصر من الأعصار أحداً من تاركي الصلاة ترك تغسيله والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين، ولا منع ورثته ميراثه ولا منع هو ميراث مورثه، ولا فرق بين زوجين لترك الصلاة مع أحدهما لكثرة تاركي الصلاة، ولو كان كافراً لثبتت هذه الأحكام كلها. انتهى.
وقد ذكر ابن عبد البر في الاستذكار ضعف أحاديث الصلاة على من قال لا إله إلا الله، وأن الإجماع يشهد لها ويصححها.
والله أعلم.