الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإسراف والتبذير خلقان مذمومان، جاء النهي عنهما في كتاب الله -عزَّ وجلَّ-، قال تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31]، وقال تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً [الإسراء: 26 - 27].
وزخرفة المساجد والإسراف في بنائها من علامات الساعة، فقد روى الإمام أحمد عن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد.
وقال البخاري في صحيحه في كتاب الصلاة، باب بنيان المساجد: قَالَ أَنَسٌ: يَتَبَاهَوْنَ بِهَا، ثُمَّ لَا يَعْمُرُونَهَا إِلَّا قَلِيلًا. (والتباهي بها: العناية بزخرفتها)، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. اهـ.
وقد جاء وعيد شديد على هذه الزخرفة، وهو فيما رواه الحكيم الترمذي عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: إذا زوقتكم مساجدكم، وحليتم مصاحفكم، فالدمار عليكم. قال الألباني في صحيح الجامع: إسناده حسن.
وما ذكرته من التصدق بثرية كبيرة الحجم يقدر ثمنها بثلاثين ألف دولار، داخل في حد الإسراف، والأولى -بلا شك- أن يكتفى بما يحقق الغرض من الإنارة، ثم يتصدق بالباقي، ولنا أسوة في رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفي أصحابه، فقد عمروا المساجد بالطاعة والعبادة، معرضين عن الزينة والزخرف.
قال عمر -رضي الله عنه- عند تجديد المسجد النبوي: أَكِنَّ الناس من المطر، وإيَّاك أن تُحمِّر أو تُصَفِّر فَتَفْتِنَ الناس.
رواه البخاري.
قال المناوي في فيض القدير:(فزخرفة المساجد، وتحلية المصاحف منهي عنها، لأن ذلك يشغل القلب، ويلهي عن الخشوع والتدبر والحضور مع الله تعالى. والذي عليه الشافعية أن تزويق المسجد، ولو الكعبة، بذهب أو فضة حرام مطلقاً، وبغيرهما مكروه). انتهى.
والله أعلم.