الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا نجيبك إلا بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في مثل مسألتك، فقد سأله رجل عن قرابته فقال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال صلى الله عليه وسلم: لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. رواه مسلم.
وأخرج أحمد في مسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي ذوي أرحام أصل ويقطعوني، وأعفو ويظلمون، وأحسن ويسيئون أفأكافئهم؟ قال: لا، إذاً تتركون جميعاً، ولكن خذ بالفضل وصلهم، فإنه لن يزال معك ظهير من الله عز وجل ما كنت على ذلك. قال شعيب الأرناوؤط: حسن.
فليس الواصل على الحقيقة من يصل ذوي رحمه إذا وصلوه وأحسنوا إليه، بل الواصل من يصل من قطعوه، فقد روى البخاري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها. فصلوا ذوي رحمكم وإن قطعوكم، وأحسنوا إليهم وأن أساءوا إليكم، وأما مجرد السلام عند اللقاء والاتصال الهاتفي فإنه يقطع الهجران، وهو أدنى مراتب صلة الرحم، فمن فعله لا يكون قاطعاً للرحم، ولكن لا ينبغي الاقتصار عليه دون أنواع الصلة الأخرى كالزيارة والهدية ونحوهما، ولا تنتظروا رد الجميل منهم، فحسبكم صلة رب العالمين لكم، وما أعده لكم في الدنيا وما ادخره لكم في الآخرة، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم، فأخذت بحقو الرحمن، فقال لها: مه، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك، قالت: بلى يا رب. قال: فذاك، قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. وقال صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه. متفق عليه.
والله أعلم.