الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن المسلم ينبغي له الاشتغال في تعلم القرآن وتعليمه عملا بحديث البخاري: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. وبحديث البخاري: بلغوا عني ولو آية. وليهتم بتعليم نصوص القرآن وتفهم معانيها، وما يستنبطه أهل العلم بالتفسير من فقهها.
وأما التكلف في حمل القرآن على أفهام غير مؤكدة فلا يليق بالمسلم، فإن القرآن لم يذكر انقراض الطيور، كما أن الطيور حتى الآن لم تنقرض، ولا ندري هل ينتهي هذا المرض هذه الفترة من العالم، وتبقى الطيور تتناسل وتتكاثر.
وأما ذكر القرآن اشتهاء أهل الجنة للحم الطيور فليس نصا في فقدهم لها في الدنيا، ولو تصورنا أن أهل القرن الحادي والعشرين فقدوها، فهل من سبق من القرون لا يشتهيها.
ثم إن أهل الجنة يشتهون النساء فهل معنى هذا أنهم فقدوا النساء في الدنيا، فلم يكونوا تزوجوا في الدنيا؟!
ويدل لشهوتهم النساء ما في حديث النسائي: إن الرجل منهم ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع والشهوة. اهـ
ثم إن شهوة اللحم عندهم ليست خاصة بلحم الطير؛ بل يشتهون اللحوم الأخرى، وقد نص أهل التفسير عند قوله تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ {الزخرف: 71} أنهم يشتهون أنواع المطعوم والملبوس وغير ذلك، ويدل لاشتهائهم أنواع اللحوم قوله تعالى: وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ {الطُّور:22} قال ابن كثير: أي وأتحفناهم بفواكه ولحوم من أنواع شتى مما يستطاب ويشتهى. اهـ
وقال الشوكاني: أي زدناهم على ما كان لهم من النعيم بفاكهة متنوعة ولحم من أنواع اللحمان مما تشتهيه أنفسهم ويستطيبونه.
وقال ابن عاشور في تفسيره عند قوله تعالى: وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ. هذا تبشير ببعض ما لهم من النعيم مما تشتاق إليه النفوس في هذه الحياة الدنيا لتشويقهم إلى هذا المصير فيسعوا لنواله بصالح الأعمال.
وليس في الاقتصار على المذكور هنا بمقتضى حصر النعيم فيما ذكر، فقد قال الله تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ . اهـ
والله أعلم.