الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي نستطيع قوله هنا هو أنه ما دام القاضي قد نظر في المسألة وحكم فيها فلا يجوز تعقبه ولا نقضه ما لم يخالف أصلاً شرعياً، قال القرافي في الفروق مبيناً ما ينقض فيه قضاء القاضي: وهو الحكم الذي خالف أحد أربعة أمور: إذا حكم على خلاف الإجماع ينقض قضاؤه، أو خلاف النص السالم عن المعارض، أو القياس الجلي السالم عن المعارض، أو قاعدة من القواعد السالمة عن المعارض. وقال السبكي في فتاويه: ينقض قضاء القاضي إذا خالف النص أو الإجماع أو القياس الجلي أو القواعد الكلية.
وقال السرخسي في المبسوط: الضرورة توجب القول بلزوم القضاء المبني على الاجتهاد، وأنه لا يجوز نقضه، لأنه لو جاز نقضه يرفعه إلى قاض آخر يرى خلاف رأي الأول فينقضه، ثم يرفعه المدعي إلى قاض آخر يرى خلاف رأي القاضي الثاني فينقض نقضه، ويقضي كما قضى الأول فيؤدي إلى أن لا تندفع الخصومة والمنازعة أبداً، والمنازعة سبب الفساد، وما أدى إلى الفساد فساد... ولأن المسألة إذا كانت مختلفاً فيها فالقاضي بالقضاء يقطع أحد الاختلافين، ويجعله متفقاً عليه.
فلا يجوز إذاً نقض ما حكم به القضاء الأول ما لم يشتمل على ما يستوجب نقضه مما سبق ذكره ، ولا عبرة بكون القضاء في بلد آخر ما دامت المحكمة محكمة شرعية، فإن كنتما ترغبان في الحلال وتخافان من الوقوع في الحرام فابتعدا عن بعض حتى تنكح المرأة زوجاً آخر نكاحاً صحيحاً، ويدخل بها، فإن طلقها فلكما بعدئذ الرجوع إلى بعضكما بعقد جديد. وللفائدة في الموضوع انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5584، 20210، 34484.
والله أعلم.