الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم يتضح لنا السبب الذي من أجله لم يجد السائل ما يريده من زوجته، هل كان من كسبها أم كان لسبب آخر خارج عن إرادتها، ولكن نقول إنه يجب على المرأة أن تمكن زوجها من نفسها، كما هو موضح في الفتوى رقم: 55879.
فإن منعته الاستمتاع أو لم تمكنه على نحو ما في الفتوى المحال عليها فإنها تأثم، أما إذا كان الأمر لغير سبب منها فلا إثم عليها، وعلى كل حال فما دامت لا تعفك سواء أكان لها عذر أم لم يكن لها عذر فينبغي أن تتزوج معها ثانية إذا كنت تقدر على شرط التعدد، ألا وهو العدل بين الزوجات فيما يجب فيه العدل، قال الله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ {النساء:3}، وليس لزوجتك أن تمانعك في ذلك، بل ينبغي أن تعينك عليه ما دامت لا تستطيع إعفافك وإجابتك كلما طلبتها لفراشك، ولكن ينبغي مراعاة الحكمة في ذلك وعدم العجلة حتى تقنعها به، وأنه خير لها من الفرقة، وأنك ما فعلت ذلك إلا حباً لها وحرصاً عليه لتبقى معك لمصلحتها ومصلحة الأبناء، ويمكنك توسيط بعض طالبات العلم والداعيات للتأثير عليها وأخذ موافقتها، فإن أصرت على الرفض ومانعت في القبول فإذا استطعت أن تتزوج عليها دون أن تعلم بذلك فهو حسن إذ لا تشترط موافقتها ولا إذنها، وإن لم يمكن ذلك واصرت على الرفض وطلب الطلاق وكنت لا تستطيع الصبر وهي لا تستطيع تلبية رغباتك وإعفافك عن الحرام ولم تجد سبيلاً للوفاق فطلقها، لأن طاعة الله أولى وآكد، فقد ثبت في صحيح ابن حبان بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من التمس رضى الله سبحانه بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى الناس عنه، ومن التمس رضي الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس.
وأما يمينك التي حلفتها لزوجتك على ألا تتزوج عليها فهي يمين منعقدة لكونها على أمر مستقبل، قال الباجي في المنتقى: الأيمان على ضربين: يمين على مستقبل، ويمين على ماض. فأما اليمين على المستقبل وهو ما تقدم ذكره فلا يدخلها في قول مالك لغو ولا غموس وإنما يدخلها البر فلا تجب كفارة أو الحنث فتجب فيه الكفارة. فهي منعقدة إذاً ولكن لك أن تتحلل منها بالكفارة، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني والله -إن شاء الله- لا أحلف على يمين ثم أرى خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير. وعند مسلم: من حلف علي يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير. ففي هذا الحديث دليل على أن الحنث في اليمين أفضل من التمادي إذا كان في الحنث مصلحة -كما هو حال السائل الكريم- والكفارة التي أمرنا الله تعالى بها هي:
1- إطعام عشرة مساكين من أوسط الطعام.
2- كسوة عشرة مساكين.
3- تحرير رقبة مؤمنة.
وهذه الثلاثة على التخيير فمن فعل واحدة منها أجزأته عن الباقي، فإذا عجزت عن هذه الثلاثة انتقل إلى صيام ثلاثة أيام، قال الله تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89}، وأما نيتك عند الحلف على عدم البر فلا تأثير لها في انعقاد اليمين، ونرجو أن لا يكون عليك فيها إثم ما دمت تقصد منها تطييب خاطر الزوجة وتفادي ما قد يحدث لها لو لم تحلف.
والله أعلم.