خلاصة الفتوى:
الأصل في المسلم الإسلام لا الكفر، ولا يجوز أن يرمى المسلم بالكفر، ولا يتوقف في أمره حتى يختبر هل يكفر بالطاغوت أم لا، ولا يحكم على معين بالكفر حتى يأتي بما يكفر وتقام عليه الحجة فلا يرجع.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أنه لا يجوز لأحد كائناً من كان أن يكفر مسلماً إلا إذا توافرت فيه الشروط التي تستلزم كفره وانتفت الموانع التي تمنع من تكفيره، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه. متفق عليه واللفظ لمسلم.
وراجع الفتوى رقم: 4132، والفتوى رقم: 53835. ولمعرفة ضوابط التكفير راجع الفتوى رقم: 721، والفتوى رقم: 12800.
أما قولهم إن الأصل في المجتمعات الإسلامية اليوم الكفر فهذا من أشنع الضلالات وأقبح الأقوال فإن الشرع حذر غاية التحذير من تكفير المسلم الواحد بغير حق فكيف بتكفير جماعة المسلمين، وقولهم إن الأصل في الناس الكفر قول باطل بل كل مولود يولد على الفطرة وهي السلامة من الاعتقادات الباطلة، فإذا لم تغير فطرته بأن يُهَوَّد أو ينصر فإنه لن يختار غير الإسلام.
ولا شك أن الكفر بالطاغوت من مقتضيات التوحيد ولوازم الإيمان، لكن أن يتوقف في المسلمين ولا يحكم بإسلامهم حتى يتبين هل يكفرون بالطاغوت أم لا فهذا لم يقل به أحد من أهل العلم، ولكن يؤخذ الناس بالظاهر والله يتولى السرائر، فإذا أظهر أحد منهم ناقضاً للإسلام تقام عليه الحجة ويبين له الأمر بياناً شافياً كافياً لا يخفى عن مثله، فإن رجع إلى الحق وإلا حكم بكفره، وراجع الفتوى رقم: 15255، والفتوى رقم: 55972.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه ولا أن يمتحنه فيقول: ماذا تعتقد؟ بل يصلي خلف مستور الحال.
فإذا كان هذا في الصلاة التي هي صلة العبد بخالقه فكيف بغير ذلك، واحتجاجهم بأن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم كانوا يدعون قومهم إلى الكفر بالطاغوت والإيمان بالله... فجوابه: لأنهم كانوا كفاراً لا يؤمنون بالله ولا يكفرون بالطاغوت، وأما أتباع مسيلمة فكانوا كفاراً مرتدين باتباعهم إياه، ووبتصديقهم له ظهر كفرهم وردتهم هذا إذا كانوا مختارين، أما إذا كانوا مكرهين فلا، لقول الله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ {النحل:106}.
أما قولهم إن خالد بن الوليد لم يعترف بإسلام مجاعة بن مرارة لأنه لم ينكر على الطاغوت فغير صحيح ولو كان كذلك لحكم بردته وعامله معاملة المرتدين، لكن فيما روي فإن خالداً قال له: قد عفوت عن دمك ولكن في نفسي حرج من تركك. وإن كانوا يقصدون بقولهم إن اليهود كانوا يقولون لا إله إلا الله فلم تنفعهم ولم يدخلوا بها الإسلام، فهذا غاية الجهل وأقبحه فإن اليهود كفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم وكفروا بشريعته فكيف يقارن اليهود بمن شهد لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة وأذعن لهذه الشريعة في الظاهر على أن اليهود حتى في إيمانهم بالله لم يؤمنوا الإيمان الذي يرضاه الله فقد كفروا بالله تعالى بسبهم له ووصفه بالنقائص تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
أما إن كانوا يقصدون أولئك الذين أشار إليهم الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران بقوله: وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {آل عمران:72}، فهؤلاء إنما فعلوا ذلك ليلبسوا على المؤمنين كما ذكر المفسرون ولم ينفعهم ذلك حيث فضحهم الله تبارك وتعالى في كتابه، والحاصل أن ما يقوله هؤلاء الشباب باطل ظاهر البطلان فيجب الحذر منهم والتحذير منهم كذلك حتى لا ينخدع بهم من لا علم له.
والله أعلم.