الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليس من شك في أن الحدث الكبير إذا وقع بحضرة عدد كبير من الناس كان ذلك داعياً إلى نقله بالتواتر.
وقد ذكر بعض أهل العلم أن عدم نقل الخبر بالتواتر مع توفر دواعي ذلك هو من أدلة ضعفه، كما بينه صاحب مراقي السعود بقوله: .......... * وخبر الآحاد في السني
حيث دواعي نقله تواترا * نرى لها لو قاله تقررا.
لكن اعتبار هذا أحد الأدلة التي يمكن أن يستدل بها على ضعف الخبر ليس معناه أن كل حدث توفرت دواعي نقله بالتواتر ولم ينقل كذلك كان ضعيفاً، فكم من أحداث حصلت أمام جماهير الناس مراراً ولم ترو بالتواتر، ولم يمنع ذلك من الحكم بثبوتها، فحجة النبي صلى الله عليه وسلم حصلت أمام عشرات الآلاف من الصحابة رضي الله عنهم، وقال لهم: لتأخذوا عني مناسككم.. ولم ترو عنه تفاصيل حجته إلا من حديث بعض قليل جداً كجابر رضي الله عنه، ووضوؤه وصلاته تكررا آلاف المرات أمام الصحابة ولم ترو صفة صلاته ووضوئه صلى الله عليه وسلم إلا عن قلة من الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ولم يفد ذلك شكاً في ثبوتها مع توفر الأسباب الداعية لنقلها بالتواتر.
من ذلك تعلم أنه ليس من المستغرب أن يروى الحدث الذي شهده الجم الغفير برواية الواحد أو الإثنين.
ولكن ينبغي أن تعلم أن نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم وما ذكرت معه من المعجزات ليس من هذا، لأنه كان قد نقل بالتواتر، فقد جاء في شرح الزرقاني على الموطأ: قال عياض: نبع الماء رواه الثقات من العدد الكثير والجم الغفير عن الكافة متصلة بالصحابة وكان ذلك في مواطن اجتماع الكثير منهم في المحافل ومجامع العساكر ولم يرد عن أحد منهم إنكار على راوي ذلك فهذا النوع ملحق بالقطعي من معجزاته...
وفي الجواب الصحيح لابن تيمية: ... ومنها ما هو متواتر يعلمه العامة والخاصة كنبع الماء من بين أصابعه وتكثير الطعام وحنين الجذع ونحو ذلك، فإن كلا من ذلك تواترت به الأخبار واستفاضت ونقلته الأمة جيلاً بعد جيل وخلفاً عن سلف فما من طبقة من طبقات الأمة إلا وهذه الآيات منقولة مشهورة مستفيضة فيها ينقلها أكثر ممن ينقل كثيراً من القرآن وقد نقلها وسمعها من الأمة أكثر ممن سمع ونقل كثيراً من آيات القرآن..
وفي هذا القدر كفاية على ما استشكلته.
والله أعلم.