الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أتعامل مع ابنتي بعصبية شديدة، فكيف أتخلص من ذلك؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعاني حقاً من عصبية شديدة، وخاصة تجاه طفلتي الوحيدة، لا أعرف لماذا، عندما تطلب مني أي شيء أبقى متوترةً، وأنهال عليها بالتذمر والذم، وعندما يشتد الأمر أبدأ بالصراخ عليها، ولا أهدأ إلا عندما تبدأ بالبكاء الشديد، خوفاً مما رأته مني.

والله قلبي يتقطع على حالها، ولكن لا أعرف لماذا أنا هكذا، وشيء آخر أردت قوله في نفس الاستشارة، أنا بين أهلي معروفة بالقسوة في كلامي وتصرفاتي، مع أني لا أرى بأنني هكذا، أنا أبكي على كل صغيرة وكبيرة، وأحاول مساعدة الجميع، ولا أقبل أن أرى أحداً حزيناً أو محتاجاً لمساعدة، أياً كان نوع المساعدة إلا وقدمت ما أستطيعه.

أنا أكثر واحدة بين إخوتي تصدقاً بالمال، لكن هكذا ينظرون إلي، أرجوكم ما الحل لهاتين المشكلتين؟ عصبيتي تجاه بنتي، وقسوتي التي يقولون عنها.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سامية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نأسف لسماع ما تمرين به، العصبية والتوتر الزائد يمكن أن يكونا نتيجةً للعديد من العوامل المختلفة، سواء كانت نفسية أو فيزيائية. وقد تكون ردة فعلك تجاه طفلتك هي نتيجة لضغوط الحياة أو توترات داخلية تعيشينها.

الحلول المقترحة:
1. الاعتراف بالمشكلة، خطوة هامة نحو الشفاء، كما أن التواصل مع طفلتك، وشرح مشاعرك، واعتذارك لها عن التصرف الذي قمتِ به، يمكن أن يساعد في تقوية العلاقة بينكما، ولن يقلل الاعتذار من قدرك تجاه طفلتك، بل ستكونين قدوة لها في الاعتذار إذا أخطأت.

2. التوجه بالدعاء إلى الله تعالى أن يحسن أخلاقك، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله تعالى حسن الخلق، فقد روى أحمد في المسند من حديث ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم كما حسَّنت خَلْقي فحسن خُلُقي).

3. تعلم تقنيات الاسترخاء، مثل تمارين التنفس، قد يكون مفيدًا للتحكم في مشاعر الغضب والعصبية.

4. تجنبي المواقف المحفزة، فإذا كنتِ تعرفين بالضبط ما يثير غضبك أو يجعلكِ عصبية، حاولي تجنب هذه المواقف أو البحث عن طرق للتعامل معها بشكل أكثر فعالية.

5. عليك بالنظر في وجهة نظر الآخرين؛ حيث قد يكون لديكِ فجوة بين كيف ترين نفسك وكيف يراك الآخرون، والحديث مع أفراد العائلة ومعرفة مشاعرهم، ووجهات نظرهم، قد يساعد في توضيح الصورة؛ مما يفيد في هذا المقام الاستفادة من نوافذ (جوهاري)، ونوافذ جوهاري هي نموذج للتواصل والوعي الذاتي تم تطويره في الخمسينيات من قبل جوزيف لوفت وهاري إنجهام. يستخدم هذا النموذج لمساعدة الأشخاص على فهم ما يعلمون عن أنفسهم، وما يعلمه الآخرون عنهم، يتكون النموذج من أربع مناطق:
- المنطقة المعروفة (المفتوحة): هي المعلومات التي يعرفها الشخص عن نفسه، ويعرفها الآخرون أيضًا عنه، على سبيل المثال: اسمك، مكان عملك إذا قمت بمشاركة هذه المعلومات مع الآخرين.

المنطقة المخفية: هي المعلومات التي تعرفها عن نفسك لكن الآخرون لا يعرفونها، قد تكون هذه المعلومات شيء تختار ألا تشاركه مع الآخرين، مثل الأسرار الشخصية أو الأمور الحساسة.

- المنطقة العمياء: هي المعلومات التي لا تعرفها عن نفسك ولكن الآخرين يعرفونها، قد تكون هذه المعلومات مهارات لديك ولكنك لا تدركها، أو نقاط ضعف قد يلاحظها الآخرون فيك ولكنك لا تدركها.

- المنطقة المجهولة: هي المعلومات التي لا تعرفها عن نفسك ولا الآخرون، قد تكون مواهب لم تكتشفها بعد، أو تجارب لم تمر بها.
الهدف من نوافذ جوهاري هي توسيع المنطقة المعروفة (المفتوحة)، من خلال الاتصال والتفاعل الإيجابي مع الآخرين، وذلك بزيادة الوعي الذاتي والفهم المتبادل بين الأشخاص.

6. ابحثي عن وسائل للتعبير عن المشاعر بدلاً من تجميع المشاعر حتى تصل إلى نقطة الغليان، حاولي البحث عن وسائل صحية للتعبير عنها، سواء من خلال الكتابة، الرسم، الرياضة أو الحديث مع صديقة مقربة.

7. حاولي التركيز على الجوانب الإيجابية في حياتك وفي نفسك، واحتفالك بالإنجازات الصغيرة قد يساعد في تعزيز ثقتك بنفسك.
8. نرجو أن تفحصي مستوى الاكتئاب لديك، فهناك بعض الإشارات في ثنايا قصتك تشير إلى ذلك.

9. تذكري أن بعض السلوكيات العصبية قد تكون مجرد حيل دفاعية، تقومين بها حيال طفلتك، فهناك ما يسمى بالإزاحة في الحيل الدفاعية، والإزاحة واحدة من الحيل الدفاعية، وهي تعد أحد الوسائل التي يستخدمها الفرد للتعامل مع التوترات والصراعات النفسية.

هي عملية نقل المشاعر أو الردود العاطفية من مصدرها الأصلي إلى مصدر بديل أقل تهديدًا، بمعنى آخر: عندما يكون الشخص غير قادر على التعبير عن مشاعره تجاه الشخص أو الوضع الذي يثير هذه المشاعر، قد ينقل هذه المشاعر ويعبر عنها تجاه شخص أو وضع آخر أقل تهديدًا.

للتوضيح، لنمثل مثالًا: تتعرض شخصية لضغوط في العمل بسبب المدير، لكنها تشعر بأنها لا تستطيع التصدي له أو التعبير عن غضبها تجاهه، فعند العودة إلى المنزل، قد تنفجر هذه الشخصية غضبًا على أحد أفراد الأسرة، بسبب ضئيل، معبرةً عن ذلك الغضب الذي تراكم فيها، بسبب مديرها في العمل.

في هذا المثال، تمت إزاحة الغضب من المدير (المصدر الحقيقي) إلى فرد من أفراد الأسرة (المصدر البديل).

الإزاحة تعد حلاً مؤقتًا وغير صحي للتعامل مع التوترات، وقد تؤدي إلى المزيد من المشكلات في العلاقات الشخصية والحياة اليومية، ومن الأفضل التعرف على مصادر التوتر الحقيقية والتعامل معها بطرق أكثر صحة نفسيًا.

من المهم الإدراك أن الغضب والعصبية هما جزء من الطبيعة البشرية، ولكن السيطرة عليهما وتوجيههما بشكل صحيح هو المفتاح لعيش حياة سعيدة ومتوازنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: " أوصني " ، قال: ( لا تغضب )، فردّد مراراً، قال: ( لا تغضب ) رواه البخاري.

وللفائدة راجعي الاستشارات المرتبطة: (2319107 - 2278350 - 226699 - 2254365 - 2146796).

والله ولي التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات