الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مدى مشروعية طاعة الزوج في عدم التحدث مع الرجال مطلقا

السؤال

أنا في مشكلة جعلت تقيدي بأوامر زوجي عبئا ثقيلا عليَّ أكاد لا أتحمله، وأحيانا تراودني فكرة الطلاق؛ لأني لا أستطيع أن أتقيد بأوامره على أرض الواقع، وأخاف أن أكون قد قصرت بحقه، وحق ربي؛ فأكون من الخاسرين؛ لأني أعرف عظمة حق الزوج على زوجته، وعظم قدره، وأخاف من الإثم بسبب ذلك.
وأنا أجاهد نفسي -قدر المستطاع- لتقوى الله، وترك الشبهات، وحفظ القرآن، وقيام الليل. أريد أن أتبين حدود التواصل مع الرجال شرعا، فزوجي يرفض أي وجه من أوجه الاتصال نهائيا، وقطعيا، وبتاتا، ولو لحاجة، لا لاستفسار، ولو في مسائل طبية على الهاتف مع طبيب، أو شراء مستلزمات من البقالة؛ لوجود رجل، أو رد السلام على أقارب، أو حتى مسائل شرعية مع شيخ، فهو شديد الغيرة، ويمنعني حتى أن أتفوه بأسماء الرجال.
هذه الغيرة، لطالما احتويتها، وتفهمتها؛ لكوني نشأت في بيت والد غيور كذلك، وأحاول قدر المستطاع تفادي أي اتصال بأحد؛ لأني -أصلا- لا أحبذ التحدث إلى الرجال، فهو يسمح لي بالخروج للعمل(أستاذة جامعية) على مضض؛ (لأني اشترطت عليه هذا في عقد النكاح)، أو إذا خرجت لحاجة، أو لشراء مستلزمات البيت، أو الأطفال بشرط يقيدني فيه بأن لا أتحدث قطعا، ونهائيا مع الرجال، ولكن -أحيانا- في حياتنا اليومية، في مجتمعنا، لا يوجد مكان، إلا وفيه اختلاط، وأضطر إلى استفسار شخص ما عن شيء، أو الشراء، وما يترتب عليه، أو مصالح إدارية، وهذا أمر يرفضه تماما، مما يجعلني -أحيانا- أضطر إلى أن أتستر على الأمر، وهذا أمر يؤرقني؛ لأني لا أعرف ماذا أفعل؛ لأني أرى أنه يكلفني ما لا طاقة لي به؛ لأن الإسلام لم يحرم التعامل قطعا مع الرجال، بل قيده بحدود، وأنا أحترم الحدود، ألا وهي غض البصر، وعدم الخضوع في الكلام، والتحدث لحاجة دون خلوة، لكن هذا لا يقبله زوجي أبدا، ومجتمعنا مليء بالاختلاط.
فماذا أفعل؟
أفيدوني جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله -تعالى- أن يفرج همك، ويصلح الحال في بيتك، وأن تدوم العشرة بينك، وبين زوجك على أحسن حال. ونوصيك بكثرة دعاء الله -عز وجل-، فإنه سبحانه أمر بالدعاء، ووعد بالإجابة، قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر: 60}، وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى: 119608.

والأصل في غيرة الزوج على زوجته أنها أمر محمود، وهذه الغيرة قد تكون دليلا على محبة الزوج لزوجته، ولكن الإفراط في الغيرة قد يجعلها أمرا مذموما، وذلك عندما تكون الغيرة في غير ريبة، كما سبق وأن بينا في الفتوى: 446509.

ومثل هذه الغيرة المذمومة يمكن أن تجعل مدخلا للشيطان بين الزوجين؛ ليفرق بينهما، والشيطان حريص على ذلك كما ثبت في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة. يجىء أحدهم، فيقول فعلت كذا، وكذا فيقول: ما صنعت شيئا قال: ثم يجىء أحدهم، فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه، وبين امرأته - قال - فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت.

ثم إن الشرع قد أمر بإحسان الظن بالمسلمين عموما، ونهى عن سوء الظن بهم بغير بينة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات: 12}، ويتأكد هذا المعنى في الزوج مع زوجته؛ لما جعل الله بينهما من هذه العلاقة النبيلة، وهي الزوجية، وقد قال الله سبحانه: وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ {البقرة: 237}.

ومن أهم ما نرشدك إليه أمران:

الأول: أن يكون بينك وبين زوجك تفاهم وحوار، واجعلي مدخلا لذلك ما ذكرناه -سابقا- من أن الغيرة علامة محبة، وأن الغيرة المفرطة مذمومة، وقد تؤدي لعواقب غير حميدة.

الثاني: من جهتك أنت أن تحرصي على كل ما يعزز الثقة بينك، وبين زوجك من حسن السيرة، والابتعاد عن مواطن الشبهات، ونحو ذلك.

ويبقى النظر في حكم طاعة الزوج في مثل هذا، فالذي يظهر لنا -والله أعلم- أنه تجب الطاعة فيما لا يترتب عليك منه ضرر؛ لأن طاعة الزوجة لزوجها في أمور النكاح، وما يتعلق به واجبة في غير معصية، ولا ضرر يقع عليها، وراجعي حدود طاعة الزوج في الفتوى: 144069.

وفي المقابل ننبه إلى أن منع الزوجة من التحدث مطلقا مع أجنبي، ولو كانت بها حاجة للتحدث معه، كالطبيب -مثلا- فيه نوع من الشطط، وسوء المعاملة؛ لأن محادثة المرأة لرجل الأجنبي عند الحاجة إليها جائزة مع الانضباط بالضوابط الشرعية، ومنعها -والحالة هذه- يتنافى مع ما أمر به الشرع من حسن عشرة الأزواج لزوجاتهم، كما قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء: 19}، قال السعدي في تفسيره: وهذا يشمل المعاشرة القولية، والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى، وبذل الإحسان، وحسن المعاملة..... انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني