2 - الاتحادات الطلابية
تمثل الاتحادات الطلابية، مؤسسات اجتماعية، على جانب كبير من الأهمية، في موضوع توجيه " العفو " ، من الجهود البشرية، ذلك أنها تضم نخبة من شباب الأمة، في مرحلة عمرية، ذات أهمية خاصة، تتميز بوفرة في النشاط، وقدرة على العطاء، وفي الوقت نفسه يتاح لهم قدر غير قليل من التوجيه، ومن فئة على أعلى مستوى من التأهيل، هـي فئة المربين، كما يملك الطلاب وقت فراغ، يتميز بالامتداد المعقول، والتكرار المنتظم، كما يتحقق لهم قدر من الوعي بظروف المجتمع واحتياجاته، وإلمام كاف بمشكلاته، وتصور لما ينبغي أن يكون عليه مستقبله، كل ذلك يتاح لهم بصورة أفضل، مما يتاح لغيرهم، من فئات الشباب الأخرى، بحكم البيئة التي يعيشونها، والمؤسسات التي تضمهم، والتي تعنى أساسا بتكوين الأجيال، وبناء وتنشئة من سيتولون القيادة في شتى القطاعات.
وانطلاقا من هـذه المواصفات، فإن الاتحادات الطلابية، تستطيع أن تقوم بالكثير من الإنجازات الإنمائية، إذا تمكنت من تجميع " العفو " من الجهد البشري، الموجود عند الطلاب، وأخضعت للتنظيم الدقيق والتوجيه السليم، متعاونة في ذلك مع الأجهزة والمؤسسات الأخرى، شعبية كانت، أم حكومية، وفي أهم الميادين المؤثرة على تحقيق [ ص: 127 ] التنمية الاقتصادية .
وكل ما يلزم لقيام الاتحادات الطلابية بهذا الدور، فوق القدرة التنظيمية، هـو إقناع جماهير الطلاب، بفكرة التكليف بإنفاق " العفو " ، من جهودهم في سبيل الله، وصالح المجتمع، وعلى التربية، التي يتلقونها في المؤسسات التعليمية، أن تغرس فيهم الإيمان بهذا التكليف، حتى لا يبقى إلا أن تدعوهم اتحاداتهم إلى الانخراط في كتائب الجهاد، الرامية إلى بناء المجتمع، باستخدام الطاقات الفائضة، لدى هـذه الفئة من الشباب، وعندها تستطيع الاتحادات الطلابية، أن تكون الكثير من الكتائب، التي توجه كل واحدة منها لتحقيق هـدف محدد، والقضاء على مشكلة معينة من المشكلات، التي يعاني منها المجتمع.
وعلى سبيل المثال، فإن مشكلة مثل تفشي الأمية بين السواد الأعظم من المواطنين في بلادنا، يمكن القضاء عليها خلال فترة قليلة، إذا استغل في علاجها " العفو " من الجهد البشري، لمئات الآلاف من الطلاب، في عطلاتهم الصيفية، والتي قلنا: إنها تتميز بالامتداد المعقول، والتكرار المنتظم، مما يجعل تنظيم استغلالها، مجد إلى أبعد الحدود، وبالطبع، لا بد أن تتعاون الاتحادات الطلابية في ذلك، مع المؤسسات الأخرى، التي تتلقى هـذه الخدمة، مثل نقابات العمال، وإدارات المصانع، وأيضا مع الجهات المشرفة على المساجد، والتي يمكن استغلالها كأماكن نموذجية، لتلقي مبادئ القراءة والكتابة، حيث تذكر الجميع - معلمين ومتعلمين - بأنهم في عمل لا يختلف عن الصلاة - التي أقيمت من أجلها المساجد - في الحصول على الثواب، [ ص: 128 ] ورضوان الله تعالى.
وأيضا مشكلة، مثل مشكلة نقص إنتاج الغذاء، والمتفشية في بلادنا، مع أننا نملك إمكانيات كبيرة في هـذا الميدان؛ مثل هـذه المشكلة، والتي يتطلب حلها استصلاح الأراضي، واستزراعها، وما يحتاجه ذلك من تمهيد للطرق، وشق للقنوات، وإقامة لكل مكونات البنية الأساسية للمجتمعات الزراعية الجديدة، يمكن بالتعاون بين أكثر من جهة في المجتمع، استغلال طاقات الشباب الفائضة في إيجادها، بل إن هـذه الأنشطة، تمثل ميدانا مثاليا، لاستغلال " العفو " من الجهد البشري، الكامن لدى فئة الطلاب. ويمكن لهذا الأسلوب، أن يقدم حلا لمشكلة البطالة، إذ تستطيع هـذه الإنجازات، التي يقومون بها، استيعاب قدر منهم، ليعمل في القطاع الزراعي، بعد انتهاء فترة الدراسة، عن طريق تمليكهم ما يستصلحون من أراض، ولقد سبق أن بينا، أن مفهوم " إنفاق العفو " في سبيل الله، لا يقتصر على تقديم الجهد الفائض، أو المال الفائض، دون مقابل مادي، بل إنه يشمل هـذه الصورة، والصورة التي تتمثل في الحصول على عائد مجز، بالمقاييس المادية، لهذا " العفو " المبذول في سبيل الله، وصالح المجتمع.
وفي موضوع استصلاح الأراضي - الذي نحن بصدده - يمكن تشجيع الشباب، من الطلاب المنضمين إلى كتائب الاستصلاح، والاستزراع، بالربط بين تملك قدر من الأرض المستصلحة، والعمل في هـذا المشروع، عددا معينا من الساعات، تحدد على ضوء الواقع العملي، الذي يحدد الساعات اللازمة، لاستصلاح القيراط مثلا. وبهذا الأسلوب، نجمع بين القضاء على مشكلتين معا، [ ص: 129 ] مشكلة البطالة، ومشكلة الإنتاج الزراعي، كما نعطي الفرصة للشباب، للقيام بعدد من التكاليف في آن واحد، فهو يستصلح الأراضي، ويحييها، وهذا تكليف إسلامي، وفي الوقت نفسه، يتعاون مع غيره على البر والتقوى، وهذا تكليف ثان، وهو يعمل، ليوجد أصلا إنتاجيا، يستخدمه في تحصيل رزقه، وهذا تكليف ثالث، وهو يضيف إلى موارد الثروة في المجتمع، فيحقق التنمية الاقتصادية ، ويترك للأجيال التالية، وضعا صالحا للبناء عليه، وهذا تكليف رابع، وفوق كل ذلك، فهو يعبد ربه بهذا العمل، وينال به حسن ثواب الآخرة، فضلا عن الجزاء الدنيوي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أحيا أرضا ميتة فهي له ) [1] ، وفي رواية ( فله بذلك أجر ) [2] ، أي في الآخرة، فضلا عن المكافأة في الدنيا، والمتمثلة في تملك ما يحييه.
إن استصلاح قطعة من الأرض، قد يشق على الفرد بجهوده الفردية، لكنه يستطيع، أن يستصلحها، وأضعافها، إذا عمل من داخل تنظيم كهذا التنظيم، الذي يمكن أن تمثله الاتحادات الطلابية، متعاونة مع بقية الأجهزة المعنية، بهذه القضية، شعبية، أو حكومية. أيضا فإن قضية مثل تلوث البيئة، يمكن للشباب من الطلاب، أن يقوموا بدور هـام في التغلب عليها، لو وجهت جهودهم الفائضة، نحو هـذا الهدف؛ إنهم يستطيعون القيام بتشجير كل جنبات الشوارع في المدن الكبرى، التي [ ص: 130 ] تعاني من تلوث البيئة، بسبب ما يترتب على ازدحامها من نفايات، وعوادم مختلفة، كما تستطيع الجهود الطلابية، أن تشجر ضفاف الأنهار، والقنوات المائية، على امتداد كل منها [3] ، ويستطيع الشباب أيضا، إضفاء اللون الأخضر على وجه المدن، كما يستطيع الإسهام في إعادة بناء القرى، على الأسس الصحية الصحيحة، وينشئ القرى الجديدة، على هـذه الأسس نفسها، كما تستطيع قوافل التوعية من الشباب الطلابي، نشر العادات البيئية السليمة، بين المواطنين في المدن والقرى، بما يحفظ البيئة من التلوث، ويقي الناس مخاطر العيش في بيئات، تتجاوز نسبة التلوث فيها المعدلات المأمونة.
هذا، وما ذكرنا من أمثلة - وإن دل على أهمية ما يمكن أن تقوم به التنظيمات الطلابية، من دور في توجيه " العفو " من جهد الشباب - فإنها مجرد أمثلة على ذلك، وإلا فإن الميدان رحب، والأنشطة التي يمكن لجماهير الطلاب، أن تساهم فيها كثيرة إلى أبعد الحدود، والقضية - كما قلنا - قضية انفعال بتكليف إنفاق " العفو " ، من الجهود البشرية في سبيل الله، وصالح المجتمع، وقضية كفاءة تنظيمية، وقدرة على تجنيد الطاقات الشبابية، وتوجيهها إلى ما تثمر فيه جهودها، ويحول دون ضياعها وتبديدها.
هذا ولا يفوتنا أن نلفت النظر، إلى أن هـذه الطاقات، إن لم تستغل فيما يصلح المجتمع، فستنحرف بها السبل، وتتجه إلى إحداث ما لا يحمد، سواء بالنسبة للشباب، أم بالنسبة إلى المجتمع. [ ص: 131 ]
ومن هـنا تظهر أهمية تنشئة الشباب، على الارتباط بتكليف " إنفاق العفو " ، من كل الإمكانيات في تحقيق مصالح المجتمع، فذلك كفيل بجعل الشباب مصدر عطاء متواصل، كما هـو المفروض في الشباب المسلم.