الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في رمي الجمار]

                                                                                                                                                                                        الجمار ثلاثة : الأولى ، وهي تلي مسجد منى ، والوسطى وجمرة العقبة . والرمي أربعة أيام : يوم النحر ، وأيام التشريق الثلاثة ، إلا لمن تعجل ، فيرمي يوم النحر جمرة العقبة وحدها ، ويرمي فيما بعد الثلاثة ؛ يبتدئ بالتي تلي مسجد منى ثم الوسطى ثم العقبة ، كل واحدة بسبع ، فذلك سبعون حصاة .

                                                                                                                                                                                        واختلف فيمن تعجل ، فالظاهر من المذهب أن يسقط اليوم الرابع . وقال ابن حبيب : يرميه في الثالث . وأظنه قاسه على رعاة الإبل . ويرمي جمرة العقبة يوم النحر على هيئة ما يأتون عليه من المزدلفة ، فلا ينزل للرمي من أتى راكبا ، ولا يركب له من أتى ماشيا .

                                                                                                                                                                                        ويرمي الأيام الثلاثة ماشيا ؛ لأن الناس نازلون في منازلهم ، فيمضون للرمي مشاة ولا يركبون ؛ لأنه خارج عما يراد من التواضع لله تعالى .

                                                                                                                                                                                        والرمي متوال ، يكبر مع كل حصاة ، ويرفع صوته بالتكبير ، ويرمي جمرة العقبة يوم النحر من أسفلها لا من فوقها ، وفي الأخيرتين من فوقهما ، فإذا رماهما تقدم أمامهما واستقبل القبلة ، ووقف للدعاء والذكر والحمد والثناء على الله تعالى . وقال محمد في الوسطى : إذا رمى ينصرف منها ذات الشمال في بطن المسيل فيقف ، ولا وقوف عند جمرة العقبة إذا رميت ، لا في [ ص: 1226 ] أول يوم ولا فيما بعد .

                                                                                                                                                                                        ويجوز لرعاة الإبل إذا رموا يوم النحر أن يتأخروا عن رمي الغد ؛ لحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : أرخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرعاة الإبل في البيتوتة عن منى ، يرمون يوم النحر ثم يرمون الغد ، أو من بعد الغد ليومين ، ثم يرمون يوم النفر .

                                                                                                                                                                                        قال مالك في الموطأ : يرمون يوم النحر ، فإذا مضى اليوم الذي يليه رموا من الغد لليوم الذي مضى ، ثم يرمون ليومهم . وذلك أنه لا يقضي أحد شيئا حتى يقضي ما يجب عليه .

                                                                                                                                                                                        وقال في مسند الترمذي : يرمون يوم النحر ، ثم يجمعون رمي يومين بعد يوم ، فيرمونه في أحدهما . قال مالك : ظننت أنه قال : اليوم الأول ، ثم يرمون يوم النفر .

                                                                                                                                                                                        وقوله في الموطأ أتى به على وجه الشك أو على وجه التخيير ، فلو كانت الرواية "يرمون الغد ليومين" لكانت تعجيلا . ولو كانت من بعد الغد ليومين [ ص: 1227 ] لكانت تأخيرا ، فلما أشكل الأمر في الحديث لقوله : "أو من بعد الغد" أمره بالتأخير ؛ ليكون قد أتى به بعد الوجوب . وإن عجل أجزأه ، ولم يكن بمنزلة من لم يرم ؛ لإمكان أن يكون ذلك من لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون تخييرا .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية