الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 156 - 167 ] ( وكل ماء وقعت فيه النجاسة لم يجز الوضوء به ، قليلا كانت النجاسة أو كثيرا ) وقال مالك رحمه الله : يجوز ما لم يتغير أحد أوصافه لما روينا ، [ ص: 168 ]

                                                                                                        وقال الشافعي رحمه الله : يجوز إذا كان الماء قلتين ، لقوله عليه الصلاة والسلام : { إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا }ولنا حديث المستيقظ من منامه .

                                                                                                        [ ص: 168 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 168 ] الحديث الخامس والثلاثون : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا }.

                                                                                                        قلت : رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث ابن عمر ، قال { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض ، وما ينوبه من السباع والدواب . قال : إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث } ، انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن حبان في " صحيحه " في القسم الثاني منه . وأعاده في القسم الثالث . ولفظه : { لم ينجسه شيء }ورواه الحاكم في " مستدركه " وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، وأظنه لاختلاف فيه على أبي أسامة عن الوليد بن كثير انتهى .

                                                                                                        وقد أجاد الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في " كتاب الإمام " جمع طرق هذا الحديث ورواياته واختلاف ألفاظه ، وأطال في ذلك إطالة تلخص منها تضعيفه له ، فلذلك أضرب عن ذكره في " كتاب الإلمام " مع شدة احتياجه إليه . وأنا أذكر ما قاله ملخصا محررا ، وأبين ما وقع فيه من الاضطراب لفظا ومعنى . وأما اضطرابه في اللفظ ، فمن جهة الإسناد . والمتن ، أما إسناده . فمن ثلاث روايات : أحدها :

                                                                                                        رواية الوليد بن كثير ، رواها أبو داود عن محمد بن العلاء عن أبي أسامة حماد بن أسامة عن الوليد عن محمد بن جعفر بن زبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه { سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الماء ، وما ينوبه من الدواب والسباع ، فقال عليه السلام : إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث }.

                                                                                                        ورواه هكذا عن أبي أسامة عن الوليد عن محمد بن جعفر بن عبد الله بن عبد الله جماعة : منهم إسحاق بن راهويه وأحمد بن جعفر الوكيعي . وأبو بكر بن أبي شيبة . وأبو عبيدة بن أبي السفر ومحمد بن عبادة " بفتح العين " وحاجب بن سليمان . وهناد بن السري . والحسين بن حريث .

                                                                                                        وروي عن أبي أسامة عن الوليد عن محمد بن عباد بن جعفر ، قال أبو مسعود الرازي الحافظ : وعثمان بن أبي شيبة من رواية أبي داود ، وعبد الله بن الزبير الحميدي . ومحمد بن حسان الأزرق [ ص: 169 ] ويعيش بن الجهم ، وغيرهم وتابعهم الشافعي عن الثقة عنده عن الوليد عن محمد بن عباد بن جعفر ، قاله الدارقطني ، ذكر ابن منده أن أبا ثور رواه عن الشافعي عن عبد الله بن الحارث المخزومي عن الوليد بن كثير ، قال : ورواه موسى بن أبي الجارود عن البويطي عن الشافعي عن أبي أسامة . وغيره عن الوليد بن كثير ، فدل روايته على أن الشافعي سمع هذا الحديث من عبد الله بن الحارث ، وهو من الحجازيين . ومن أبي أسامة وهو كوفي جميعا عن الوليد بن كثير ، وقد اختلف الحفاظ في هذا الاختلاف بين محمد بن عباد . ومحمد بن جعفر ، فمنهم من ذهب إلى الترجيح فيقال : عن أبي داود أنه لما ذكر حديث محمد بن عباد ، قال : هو الصواب وذكر عبد الرحمن بن أبي حاتم في " كتاب العلل " عن أبيه أنه قال : محمد بن عباد بن جعفر ثقة . ومحمد بن جعفر بن الزبير ثقة ، والحديث لمحمد بن جعفر بن الزبير أشبه ، وقال ابن منده : واختلف على أبي أسامة ، فروى عنه عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر .

                                                                                                        وقال : مرة عن محمد بن جعفر بن الزبير ، وهو الصواب ; لأن عيسى بن يونس . رواه عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ، فذكره ، وأما الدارقطني فإنه جمع بين الروايتين . فقال :

                                                                                                        ولما اختلف على أبي أسامة في إسناده أحببنا أن نعلم من أتى بالصواب في ذلك . فوجدنا شعيب بن أيوب قد رواه عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير على الوجهين جميعا ، عن محمد بن جعفر بن الزبير ، ثم أتبعه عن محمد بن عباد بن جعفر ، فصح القولان جميعا ، عن أبي أسامة ، وصح أن الوليد بن كثير رواه عن محمد بن جعفر بن الزبير .

                                                                                                        وعن محمد بن عباد بن جعفر جميعا ، فكان أبو أسامة يحدث به عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير ، ومرة يحدث به عن الوليد عن محمد بن عباد بن جعفر ، ثم روى عن أبي بكر أحمد بن محمد بن سعدان الصيدلاني عن شعيب بن أيوب عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله ، وكذلك فعل البيهقي ، فأخرج رواية عن إسماعيل بن قتيبة عن أبي بكر . وعثمان ابني أبي شيبة بذكر محمد بن جعفر بن الزبير ، على خلاف رواية أبي داود عن عثمان بن أبي شيبة بذكر محمد بن عباد بن جعفر ، وذكر رواية أخرى من جهة أبي العباس محمد بن يعقوب عن أحمد بن عبد الحميد الحارثي ، فيها ذكر محمد بن جعفر بن الزبير ، على خلاف رواية الدارقطني عن أحمد بن محمد بن سعيد عن أحمد بن عبد الحميد الحارثي .

                                                                                                        وفيها ذكر محمد بن عباد بن جعفر ، وقصدا [ ص: 170 ] بذلك الدلالة على صحة الروايتين جميعا ، قال البيهقي : وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني أبو علي محمد بن علي الإسفراييني من أصل " كتابه " وأنا سألته حدثنا علي بن عبد الملك بن مبشر الواسطي ثنا شعيب بن أيوب ثنا أبو أسامة الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير ، ومحمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء بمثله .

                                                                                                        وهاهنا اختلاف آخر ، وهو أن الصواب في الرواية " عبيد الله بن عمر " لا عبد الله " أو كل واحد منهما صواب ، فكأن إسحاق بن راهويه ، فيما حكاه عنه البيهقي في " المعرفة " يقول : غلط أبو أسامة في عبد الله بن عبد الله ، إنما هو عبيد الله بن عبد الله . واستدل بما رواه عن عيسى بن يونس عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر ، قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم فذكره ، إلا أن عيسى بن يونس أرسله ، ورأيت في " كتاب إسماعيل بن سعيد الكسائي " عن إسحاق بن إبراهيم عن عيسى بن يونس موصولا ورواه عباد بن صهيب عن الوليد .

                                                                                                        وقال عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه موصولا ، والحديث مسند في الأصل ، فقد رواه محمد بن إسحاق بن يسار عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه .

                                                                                                        قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره " أعني البيهقي " وذكر ابن منده عن رواية عيسى بن يونس موصولة ، وذكر أن رواية عيسى بن يونس أشبه ; لأن هذا الحديث رواه عبد الله بن المبارك . وغيره عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم مثل رواية عيسى بن يونس عن الوليد بن كثير ، قال : فهذا إسناد صحيح على شرط مسلم في عبيد الله بن عبد الله ، ومحمد بن جعفر . ومحمد بن إسحاق ، والوليد بن كثير قال : وروى هذا الحديث حماد بن سلمة عن عاصم بن المنذر عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه ، رواه إسماعيل ابن علية عن عاصم بن المنذر عن رجل عن ابن المنذر فهذا محمد بن إسحاق وافق عيسى بن يونس عن الوليد بن كثير في ذكر محمد بن جعفر بن الزبير ، وعبيد الله بن عبد الله بن عمر .

                                                                                                        وروايتهما وافقت رواية حماد بن سلمة وغيره عن عاصم بن المنذر في ذكر عبيد الله بن عبد الله ، فثبت هذا الحديث باتفاق أهل المدينة والكوفة والبصرة على حديث عبيد الله بن عبد الله ، وباتفاق محمد بن إسحاق . والوليد بن كثير عن روايتهما عن محمد بن جعفر بن الزبير ، فعبيد الله ، وعبد الله ابنا عبد الله بن عمر مقبولان بإجماع من الجماعة في " كتبهم " ، وكذلك محمد بن جعفر بن الزبير ، ومحمد بن عباد بن جعفر . والوليد بن كثير في " كتاب [ ص: 171 ] مسلم " وأبي داود . والنسائي ، وعاصم بن المنذر يعتبر بحديثه ، ومحمد بن إسحاق أخرج عنه مسلم . وأبو داود . والنسائي ، وعاصم بن المنذر استشهد به البخاري في مواضع .

                                                                                                        وقال شعبة : محمد بن إسحاق أمير المؤمنين في الحديث . وقال عبد الله بن المبارك : محمد بن إسحاق ثقة ثقة ثقة ، انتهى .

                                                                                                        قال الشيخ : وكان أبو عبد الله بن منده حكم بالصحة على شرط مسلم من جهة الرواة ، وأعرض عن جهة الرواية ، وكثرة الاختلاف فيها والاضطراب ، ولعل مسلما تركه لذلك .

                                                                                                        وحكى البيهقي في " كتاب المعرفة " عن شيخه أبي عبد الله الحافظ أنه كان يقول : الحديث محفوظ عنهما جميعا " أعني عن عبيد الله . وعبد الله بن عبد الله " كلاهما رواه عن أبيه ، قال : وذهب إليه كثير من أهل الرواية . هذا خلاف ما يقتضيه كلام أبي زرعة فيما حكاه عبد الرحمن بن أبي حاتم ، قال : سألت أبا زرعة عن حديث محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير ، فقلت : إنه يقول : عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                        ورواه الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء }قال أبو زرعة : ابن إسحاق ليس يمكن أن يقضى له ، قلت له : ما حال محمد بن جعفر ؟ فقال : صدوق .

                                                                                                        الرواية الثانية : رواية محمد بن إسحاق لهذا الحديث ، وقد أخرجه الترمذي من حديث هناد . وأبو داود من حديث حماد بن سلمة . ويزيد بن زريع . وابن ماجه من حديث يزيد بن هارون . وابن المبارك كلهم عن ابن إسحاق ، ورواه أحمد بن خالد الوهبي . وإبراهيم بن سعد الزهري . وزائدة بن قدامة ، ورواه عبيد الله بن محمد بن عائشة عن حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق بسنده ، وقال فيه : { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء يكون بالفلاة ، وترده السباع والكلاب ، فقال : إذا كان الماء قلتين لا يحمل الخبث }رواه البيهقي ، وقال : كذا قال : { السباع والكلاب } ، وهو غريب ، وكذلك قاله موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة ، وقال إسماعيل بن عياش عن محمد بن إسحاق { الكلاب والدواب }إلا أن ابن عياش اختلف عليه في إسناده انتهى .

                                                                                                        وهذا الاختلاف الذي أشار إليه هو المحفوظ عن ابن عياش عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه ، ورواه محمد بن وهب السلمي عن ابن عياش عن ابن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن القليب يلقى فيه الجيف ، ويشرب منه الكلاب [ ص: 172 ] والدواب ، قال : ما بلغ الماء قلتين فما فوق ذلك لم ينجسه شيء }رواه الدارقطني ، وروي أيضا من جهة عبد الوهاب بن عطاء عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن سالم .

                                                                                                        عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه عن محمد بن عبد الله بن إبراهيم عن عبد الله بن أحمد بن خزيمة عن علي بن سلمة اللبقي عن عبد الوهاب ، ورواه المغيرة بن سقلاب عن ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر .

                                                                                                        الرواية الثالثة : رواية حماد بن سلمة عن عاصم بن المنذر . واختلف في إسنادها ومتنها ، أما الإسناد ، فرواه أبو داود . وابن ماجه عن موسى بن إسماعيل عن حماد عن عاصم عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر ، قال : حدثني أبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا كان الماء قلتين ، فإنه لا ينجس } ، وخالف حماد بن زيد ، فرواه عن عاصم بن المنذر عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله موقوفا .

                                                                                                        قال الدارقطني : وكذلك رواه إسماعيل ابن علية عن عاصم بن المنذر عن رجل لم يسمه عن ابن عمر موقوفا أيضا ، وأما الاختلاف في اللفظ ، فإن يزيد بن هارون رواه عن حماد بن سلمة ، فاختلف فيه على يزيد ، فقال الحسن بن محمد الصباح عنه عن حماد عن عاصم ، قال : دخلت مع عبيد الله بن عبد الله بن عمر بستانا فيه مقراة ماء فيه جلد بعير ميت ، فتوضأ فيه ، فقلت له : أتتوضأ منه وفيه جلد بعير ميت ؟ فحدثني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { إذا بلغ الماء قلتين أو ثلاثا لم ينجسه شيء }.

                                                                                                        أخرجه الدارقطني . وعبد بن حميد . وإسحاق بن راهويه في " مسنديهما " ورواه أبو مسعود الرازي عن يزيد ، فلم يقل : أو ثلاثا ، قال الدارقطني : وكذلك رواه إبراهيم بن الحجاج ، وهدبة بن خالد ، وكامل بن طلحة عن حماد بن سلمة بهذا الإسناد قالوا فيه : { إذا بلغ الماء قلتين أو ثلاثا } ، ورواية إبراهيم بن الحجاج ، وهدبة بن خالد عن حماد به عند الحاكم في " مستدركه " قال : { إذا بلغ الماء قلتين أو ثلاثا لم ينجسه شيء }.

                                                                                                        قال الحاكم : ورواه عفان بن مسلم . وغيره من الحفاظ عن حماد لم يقولوا فيه : أو ثلاثا انتهى ، قلت : وكذلك رواه وكيع عن حماد بن سلمة بسنده ، وقال : { إذا كان الماء قلتين أو ثلاثة لم ينجسه شيء }.

                                                                                                        رواه ابن ماجه في " سننه " ، ثم قال الدارقطني ، بعد تخريج ما ذكر من الروايات : ورواه عفان بن مسلم . ويعقوب بن إسحاق الحضرمي . وبشر بن السري . والعلاء بن عبد الجبار المكي . وموسى بن إسماعيل . وعبيد الله العيشي عن حماد بن سلمة بهذا الإسناد ، وقالوا فيه : { إذا كان الماء قلتين لم ينجس } ، ولم يقولوا : أو ثلاثا ، ثم أخرج هذه الروايات ، ولحديث [ ص: 173 ] ابن عمر طريقان آخران :

                                                                                                        أحدهما : من رواية إبراهيم بن محمد عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء }. أخرجه الدارقطني . وإبراهيم بن محمد هو " ابن أبي يحيى الأسلمي " وقد مر ذكره .

                                                                                                        والثاني : رواه عبد الله بن الحسين بن جابر عن محمد بن كثير المصيصي عن زائدة عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا كان الماء قلتين فلا ينجسه شيء }أخرجه الدارقطني عن محمد بن إسماعيل الفارسي عنه ، وقال : رفعه هذا الشيخ عن محمد بن كثير عن زائدة ، ورواه معاوية بن عمرو عن زائدة موقوفا ، وهو الصواب . ثم خرجه ، والله أعلم .

                                                                                                        وأما الاضطراب في متنه ، فقد تقدم من ذلك شيء ، وروى الدارقطني في " سننه " وابن عدي في " الكامل " والعقيلي في " كتابه " عن القاسم بن عبيد الله العمري عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا بلغ الماء أربعين قلة فإنه لا يحمل الخبث }انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : كذا رواه القاسم العمري عن ابن المنكدر عن جابر ، ووهم في إسناده ، وكان ضعيفا كثير الخطأ ، وخالفه روح بن القاسم . وسفيان الثوري . ومعمر بن راشد رووه عن ابن المنكدر عن عبد الله بن عمر موقوفا .

                                                                                                        ورواه أيوب السختياني عن محمد بن المنكدر من قوله : لم يجاوز به ، ثم روى بإسناد صحيح من جهة روح بن القاسم عن محمد بن المنكدر عن عبد الله بن عمر ، قال : " إذا بلغ الماء أربعين قلة لم ينجس " ثم أخرج رواية سفيان من جهة وكيع . وأبي نعيم عنه عن محمد بن المنكدر عن عبد الله بن عمر ، وقال : إذا كان الماء أربعين قلة لم ينجسه شيء .

                                                                                                        وأخرج رواية معمر أيضا من جهة عبد الرزاق عن غير واحد عنه وأخرج رواية أيوب عن محمد بن المنكدر ، قال : { إذا بلغ الماء أربعين قلة لم ينجس ، أو كلمة نحوها }.

                                                                                                        وروى الدارقطني أيضا من جهة بشر بن السري عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن سليمان بن سنان عن عبد الرحمن بن أبي هريرة عن أبيه ، قال : إذا كان الماء قدر أربعين قلة لم يحمل خبثا ، قال الدارقطني : كذا قال ، وخالفه غير واحد ، رووه عن أبي هريرة ، فقالوا : أربعين غربا ، ومنهم من قال : أربعين دلوا ، وسليمان بن سنان سمع ابن عباس . وأبا هريرة ، قاله البخاري في " تاريخه " .

                                                                                                        وأما الاضطراب في معناه ، فقيل : إن القلة اسم مشترك يطلق على الجرة . [ ص: 174 ] وعلى القربة . وعلى رأس الجبل ، وروى الشافعي في تفسيرها حديثا ، فقال في " مسنده " أخبرني مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج بإسناد لا يحضرني ذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا كان الماء قلتين لم يحمل خبثا }.

                                                                                                        وقال في الحديث : { بقلال هجر } ، قال ابن جريج : وقد رأيت قلال هجر ، فالقلة تسع قربتين ، أو قربتين وشيئا ، قال الشافعي : فالاحتياط أن يجعل القلة قربتين ونصفا ، فإذا كان الماء خمس قرب كبار ، كقرب الحجاز لم يحمل نجسا ، إلا أن يظهر في الماء ريح أو طعم أو لون انتهى . وهذا فيه أمران :

                                                                                                        أحدهما : أن سنده منقطع ، ومن لا يحضره مجهول فلا يقوم بهذا الحجة عنده .

                                                                                                        والثاني : أن قوله : وقال في الحديث : " بقلال هجر " يوهم أن هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم وليس كذلك ، فروى الدارقطني من حديث أبي بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري عن أبي حميد عن حجاج عن ابن جريج ، قال : أخبرني محمد بن يحيى ، فذكره . قال محمد بن يحيى : قلت ليحيى بن عقيل : أي قلال ؟ قال : قلال هجر ، قال محمد : فرأيت قلال هجر ، فأظن كل قلة تسع قربا ، قال : وإسناد الأول أحفظ ، فهذان الوجهان ليس فيهما رفع هذه الكلمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان مرسلا ، فإن يحيى بن عقيل ليس بصحابي ، ثم الطريق التي ذكر البيهقي أن إسنادها أحفظ يقول فيها : فأظن أن كل قلة تحمل قربتين ، والقربة ستة عشر رطلا ، فيكون مجموع القلتين أربعة وستين رطلا . وهذا لا يقول به .

                                                                                                        والرواية الأخرى كل قلة قربتين يقتضي أن القلتين أربع قرب ، وقد روى ابن عدي في " الكامل " من حديث المغيرة بن سقلاب عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء والقلة : أربع آصع }.

                                                                                                        قال : والمغيرة ترك طريق هذا الحديث ، وقال : عن ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر ، وكان هذا أسهل عليه ، ومحمد بن إسحاق يرويه عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عمر ، ثم روى ابن عدي من طريق المغيرة أيضا عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا كان الماء قلتين من قلال هجر لم ينجسه شيء ويذكر أنهما فرقان }.

                                                                                                        قال ابن عدي : قوله في " متنه " : { من قلال هجر }غير محفوظ ، لا يذكر إلا في هذا الحديث من رواية مغيرة هذا ، عن محمد بن إسحاق ، قال : ومغيرة بن سقلاب يكنى " أبا بشر " منكر الحديث ، ثم أسند إلى أبي جعفر بن نفيل ، قال : المغيرة بن سقلاب لم يكن مؤتمنا على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن عدي : وعامة ما يرويه لا [ ص: 175 ] يتابع عليه ، فهذا الحديث ذكر فيه قلال هجر ، وذكر أنهما فرقان ، وهذا لا يقول به من حزرهما بخمسمائة رطل أو أكثر .

                                                                                                        وأخرج الدارقطني من حديث عبد العزيز بن أبي رزمة عن حماد بن زيد عن عاصم بن المنذر ، قال : القلال : الجوابي العظام ، وأخرج أيضا من جهة الحسن بن عرفة سمعت هشاما ، يقول : القلتان هما : الجرتان الكبيرتان .

                                                                                                        وقال ابن منده : قال الأوزاعي . وأصحابه : القلة ما تقله اليد " أي ترفعه " وأخرج البيهقي من جهة عبد الرحيم بن سليمان ، سألت أحمد بن إسحاق عن القلتين ، فقال : هي الجرار التي يستقى فيها الماء . والدواريق .

                                                                                                        وأخرج عن وكيع ، قال : هي الجرة ، وقال البيهقي في " كتاب المعرفة " : وقلال هجر كانت مشهورة عند أهل الحجاز ، ولشهرتها عندهم شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى ليلة المعراج من نبق سدرة المنتهى بقلال هجر ، فقال في حديث مالك بن صعصعة : { رفعت إلى سدرة المنتهى ، فإذا ورقها مثل آذان الفيلة ، وإذا نبقها مثل قلال هجر }قال : واعتذار الطحاوي في ترك الحديث أصلا . بأنه لا يعلم مقدار القلتين ، لا يكون عذرا عند من علمه . وكذلك ترك القول ببعض الحديث بالإجماع لا يوجب تركه فيما لم يجمع عليه ، وتوقيته بالقلتين لمنع من حمله على الماء الجاري على أصله انتهى كلامه .

                                                                                                        الحديث السادس والثلاثون : حديث المستيقظ ، تقدم أول الكتاب ، رواه أصحاب الكتب الستة ، ووجهه أنه منع من الغمس في الإناء عند التوهم ، فأولى أن يمنع عند التحقق .




                                                                                                        الخدمات العلمية