الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( المسألة الثالثة ) : قوله : ( إن الذين كفروا ) صيغة للجمع مع لام التعريف ، وهي للاستغراق بظاهره ، ثم [ ص: 37 ] إنه لا نزاع في أنه ليس المراد منها هذا الظاهر ؛ لأن كثيرا من الكفار أسلموا ، فعلمنا أن الله تعالى قد يتكلم بالعام ويكون مراده الخاص ؛ إما لأجل أن القرينة الدالة على أن المراد من ذلك العموم ذلك الخصوص كانت ظاهرة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ، فحسن ذلك لعدم التلبيس وظهور المقصود ، ومثاله ما إذا كان للإنسان في البلد جمع مخصوص من الأعداء ، فإذا قال : " إن الناس يؤذونني " فهم كل أحد أن مراده من الناس ذلك الجمع على التعيين ، وإما لأجل أن التكلم بالعام لإرادة الخاص جائز ، وإن لم يكن البيان مقرونا به عند من يجوز تأخير بيان التخصيص عن وقت الخطاب ، وإذا ثبت ذلك ظهر أنه لا يمكن التمسك بشيء من صيغ العموم على القطع بالاستغراق لاحتمال أن المراد منها هو الخاص ، وكانت القرينة الدالة على ذلك ظاهرة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلا جرم حسن ذلك ، وأقصى ما في الباب أن يقال : لو وجدت هذه القرينة لعرفناها ، وحيث لم نعرفها علمنا أنها ما وجدت إلا أن هذا الكلام ضعيف ؛ لأن الاستدلال بعدم الوجدان على عدم الوجود من أضعف الأمارات المفيدة للظن فضلا عن القطع ، وإذا ثبت ذلك ظهر أن استدلال المعتزلة بعمومات الوعيد على القطع بالوعيد في نهاية الضعف ، والله أعلم . ومن المعتزلة من احتال في دفع ذلك ، فقال : إن قوله : " إن الذين كفروا لا يؤمنون " كالنقيض لقوله : " إن الذين كفروا يؤمنون " ، وقوله : " إن الذين كفروا يؤمنون " لا يصدق إلا إذا آمن كل واحد منهم ، فإذا ثبت أنه في جانب الثبوت يقتضي العموم وجب أن لا يتوقف في جانب النفي على العموم ، بل يكفي في صدقه أن لا يصدر الإيمان عن واحد منهم ؛ لأنه متى لم يؤمن واحد من ذلك الجمع ثبت أن ذلك الجمع لم يصدر منهم الإيمان ، فثبت أن قوله : " إن الذين كفروا لا يؤمنون " يكفي في إجرائه على ظاهره ، أن لا يؤمن واحد منهم ، فكيف إذا لم يؤمن الكثير منهم ؟ والجواب : أن قوله : ( إن الذين كفروا ) صيغة الجمع ، وقوله : ( لا يؤمنون ) أيضا صيغة جمع ، والجمع إذا قوبل بالجمع توزع الفرد على الفرد ، فمعناه أن كل واحد منهم لا يؤمن ، وحينئذ يعود الكلام المذكور .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية