الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      المسألة السادسة : أما لبس الرجال خواتم الفضة فهو جائز بلا شك ، وأدلته معروفة في السنة ، ومن أوضحها خاتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الفضة المنقوش فيه : " محمد رسول الله " ، الذي كان يلبسه بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان . حتى سقط في بئر أريس كما هو ثابت في الصحيحين . أما لبس الرجال لغير الخاتم من الفضة ففيه خلاف بين العلماء ، وسنوضح هذه المسألة إن شاء الله .

                                                                                                                                                                                                                                      اعلم أولا : أن الرجل إذا لبس من الفضة مثل ما يلبسه النساء من الحلي : كالخلخال ، والسوار ، والقرط ، والقلادة ، ونحو ذلك ، فهذا لا ينبغي أن يختلف في منعه ; لأنه تشبه [ ص: 353 ] بالنساء ، ومن تشبه بهن من الرجال فهو ملعون على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما مر آنفا . وكل من كان ملعونا على لسانه - صلى الله عليه وسلم - فهو ملعون في كتاب الله ، كما قال ابن مسعود - رضي الله عنه - ; لأن الله يقول : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [ 59 \ 7 ] ، وأما غير ذلك كجعل الرجل الفضة في الثوب ، واستعمال الرجل شيئا محلى بأحد النقدين ; فجماهير العلماء منهم الأئمة الأربعة على أن ذلك ممنوع ، مع الإجماع على جواز تختم الرجل بخاتم الفضة . والاختلاف في أشياء : كالمنطقة ، وآلة الحرب ونحوه ، والمصحف . والاتفاق على جعل الأنف من الذهب وربط الأسنان بالذهب والفضة . وسنذكر بعض النصوص من فروع المذاهب الأربعة في ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      قال خليل بن إسحاق المالكي في مختصره الذي قال في ترجمته مبينا لما به الفتوى ما نصه : وحرم استعمال ذكر محلى ولو منطقة وآلة حرب ; إلا السيف والأنف ، وربط سن مطلقا ، وخاتم فضة ; لا ما بعضه ذهب ولو قل ، وإناء نقد واقتناؤه وإن لامرأة . وفي المغشى ، والمموه ، والمضبب ، وذي الحلقة ، وإناء الجوهر ، قولان . وجاز للمرأة الملبوس مطلقا ولو نعلا لا كسرير . انتهى الغرض من كلام خليل مع اختلاف في بعض المسائل التي ذكرها عند المالكية . وقال صاحب تبيين الحقائق في مذهب الإمام أبي حنيفة ما نصه : ولا يتحلى الرجل بالذهب والفضة ، إلا بالخاتم والمنطقة وحلية السيف من الفضة . اهـ .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال النووي في شرح المهذب في مذهب الشافعي : " فصل فيما يحل ويحرم من الحلي : " فالذهب أصله على التحريم في حق الرجال ، وعلى الإباحة للنساء - إلى أن قال : وأما الفضة فيجوز للرجل التختم بها ، وهل له ما سوى الخاتم من حلي الفضة : كالدملج ، والسوار ، والطوق ، والتاج ; فيه وجهان . قطع الجمهور بالتحريم . انتهى محل الغرض من كلام النووي . وقال ابن قدامة في المقنع في مذهب الإمام أحمد : ويباح للرجال من الفضة الخاتم ، وفي حلية المنطقة روايتان ، وعلى قياسها الجوشن والخوذة والخف والران والحمائل . ومن الذهب قبيعة السيف . ويباح للنساء من الذهب والفضة كل ما جرت عادتهن بلبسه قل أو كثر . انتهى محل الغرض من المقنع .

                                                                                                                                                                                                                                      فقد ظهر من هذه النقول : أن الأئمة الأربعة في الجملة متفقون على منع استعمال المحلى بالذهب أو الفضة من ثوب أو آلة أو غير ذلك ، إلا في أشياء استثنوها على اختلاف بينهم في بعضها . وقال بعض العلماء : لا يمنع لبس شيء من الفضة . واستدل من قال بهذا بأمرين : أحدهما : أنها لم يثبت فيها تحريم . قال صاحب الإنصاف في شرح قول صاحب [ ص: 354 ] المقنع : وعلى قياسها الجوشن والخوذة إلخ ، ما نصه : وقال صاحب الفروع فيه : ولا أعرف على تحريم الفضة نصا عن أحمد . وكلام شيخنا يدل على إباحة لبسها للرجال ، إلا ما دل الشرع على تحريمه - انتهى . وقال الشيخ تقي الدين أيضا : لبس الفضة إذا لم يكن فيه لفظ عام لم يكن لأحد أن يحرم منه ، إلا ما قام الدليل الشرعي على تحريمه ، فإذا أباحت السنة خاتم الفضة دل على إباحة ما في معناه ، وما هو أولى منه بالإباحة ، وما لم يكن كذلك فيحتاج إلى نظر في تحليله وتحريمه ، والتحريم يفتقر إلى دليل ، والأصل عدمه . ونصره صاحب الفروع ، ورد جميع ما استدل به الأصحاب . انتهى كلام صاحب الإنصاف .

                                                                                                                                                                                                                                      الأمر الثاني : حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يدل على ذلك . قال أبو داود في سننه : حدثنا عبد الله بن مسلمة ، حدثنا عبد العزيز - يعني ابن محمد - عن أسيد بن أبي أسيد البراد ، عن نافع بن عياش ، عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من أحب أن يحلق حبيبه حلقة من نار فليحلقه حلقة من ذهب ، ومن أحب أن يطوق حبيبه طوقا من نار فليطوقه طوقا من ذهب ، ومن أحب أن يسور حبيبه سوارا من نار فليسوره سوارا من ذهب ، ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها " هذا لفظ أبي داود .

                                                                                                                                                                                                                                      قال مقيده - عفا الله عنه - : الذي يظهر لي - والله أعلم - أن هذا الحديث لا دليل فيه على إباحة لبس الفضة للرجال . ومن استدل بهذا الحديث على جواز لبس الرجال للفضة فقد غلط ; بل معنى الحديث : أن الذهب كان حراما على النساء ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى الرجال عن تحلية نسائهم بالذهب ، وقال لهم : " العبوا بالفضة " ، أي : حلوا نساءكم منها بما شئتم . ثم بعد ذلك نسخ تحريم الذهب على النساء . والدليل على هذا الذي ذكرنا أمور :

                                                                                                                                                                                                                                      الأول : أن الحديث ليس في خطاب الرجال بما يلبسونه بأنفسهم ; بل بما يحلون به أحبابهم ، والمراد نساؤهم ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال فيه : " من أحب أن يحلق حبيبه " ، " أن يطوق حبيبه " ، " أن يسور حبيبه " ، ولم يقل : من أحب أن يحلق نفسه ، ولا أن يطوق نفسه ، ولا أن يسور نفسه ; فدل ذلك دلالة واضحة لا لبس فيها على أن المراد بقوله : " فالعبوا بها " ، أي : حلوا بها أحبابكم كيف شئتم ; لارتباط آخر الكلام بأوله .

                                                                                                                                                                                                                                      الأمر الثاني : أنه ليس من عادة الرجال أن يلبسوا حلق الذهب ، ولا أن يطوقوا بالذهب ، ولا يتسوروا به في الغالب ; فدل ذلك على أن المراد بذلك من شأنه لبس الحلقة [ ص: 355 ] والطوق والسوار من الذهب ، وهن النساء بلا شك .

                                                                                                                                                                                                                                      الأمر الثالث : أن أبا داود - رحمه الله - قال بعد الحديث المذكور متصلا به : حدثنا مسدد ، ثنا أبو عوانة ، عن منصور ، عن ربعي بن خراش ، عن امرأته ، عن أخت لحذيفة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يا معشر النساء ، أما لكن في الفضة ما تحلين به ، أما إنه ليس منكن امرأة تحلى ذهبا تظهره إلا عذبت به " .

                                                                                                                                                                                                                                      حدثنا موسى بن إسماعيل ، ثنا أبان بن يزيد العطار ، ثنا يحيى أن محمد بن عمرو الأنصاري ، حدثه أن أسماء بنت يزيد حدثته : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أيما امرأة تقلدت قلادة من ذهب قلدت في عنقها مثله من النار يوم القيامة ، وأيما امرأة جعلت في أذنها خرصا من ذهب جعل في أذنها مثله من النار يوم القيامة " .

                                                                                                                                                                                                                                      فهذان الحديثان يدلان على أن المراد بالحديث الأول : منع الذهب للنساء ، وأن قوله : " فالعبوا بها " معناه : فحلوا نساءكم من الفضة بما شئتم كما هو صريح في الحديثين الأخيرين . وهذا واضح جدا كما ترى .

                                                                                                                                                                                                                                      ويدل له أن الحافظ البيهقي - رحمه الله - ذكر الأحاديث الثلاثة المذكورة التي من جملتها : " وعليكم بالفضة فالعبوا بها " ، في سياق الأحاديث الدالة على تحريم الذهب على النساء أولا دون الفضة ، ثم بعد ذلك ذكر الأحاديث الدالة على النسخ ، ثم قال : واستدللنا بحصول الإجماع على إباحته لهن على نسخ الأخبار الدالة على تحريمه فيهن خاصة . والله أعلم انتهى .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن جملة تلك الأحاديث المذكورة ، حديث : " فالعبوا بها " ، وهو واضح جدا فيما ذكرنا . فإن قيل : قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المذكور : " يحلق حبيبه " ، " أن يطوق حبيبه " ، " أن يسور حبيبه " ، يدل على أن المراد ذكر ; لأنه لو أراد الأنثى لقال : حبيبته بتاء الفرق بين الذكر والأنثى .

                                                                                                                                                                                                                                      فالجواب : أن إطلاق الحبيب على الأنثى باعتبار إرادة الشخص الحبيب مستفيض في كلام العرب لا إشكال فيه ; ومنه قول حسان بن ثابت - رضي الله عنه - :

                                                                                                                                                                                                                                      منع النوم بالعشاء الهموم وخيال إذا تغار النجوم     من حبيب أصاب قلبك منه سقم
                                                                                                                                                                                                                                      فهو داخل مكتوم



                                                                                                                                                                                                                                      ومراده بالحبيب أنثى ; بدليل قوله بعده : [ ص: 356 ]

                                                                                                                                                                                                                                      لم تفتها شمس النهار بشيء     غير أن الشباب ليس يدوم



                                                                                                                                                                                                                                      وقول كثير عزة :

                                                                                                                                                                                                                                      لئن كان برد الماء هيمان     صاديا إلي حبيبا إنها لحبيب



                                                                                                                                                                                                                                      ومثل هذا كثير في كلام العرب ، فلا نطيل به الكلام .

                                                                                                                                                                                                                                      قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الذي يظهر لي من كتاب الله - جل وعلا - وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - : أن لبس الفضة حرام على الرجال ، وأن من لبسها منهم في الدنيا لم يلبسها في الآخرة . وإيضاح ذلك أن البخاري قال في صحيحه في باب : " لبس الحرير للرجال وقدر ما يجوز منه " : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن ابن أبي ليلى ، قال : كان حذيفة بالمدائن فاستسقى فأتاه دهقان بماء في إناء من فضة ، فرماه به ، وقال : إني لم أرمه إلا أني نهيته فلم ينته ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الذهب والفضة والحرير والديباج هي لهم في الدنيا ، ولكم في الآخرة " ، فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الصحيح : " الذهب ، والفضة ، والحرير : والديباج ; هي لهم في الدنيا ولكم في الآخرة " ، يدخل في عمومه تحريم لبس الفضة ; لأن الثلاث المذكورات معها يحرم لبسها بلا خلاف . وما شمله عموم نص ظاهر من الكتاب والسنة لا يجوز تخصيصه إلا بنص صالح للتخصيص ; كما تقرر في علم الأصول .

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قيل : الحديث وارد في الشرب في إناء الفضة لا في لبس الفضة ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                      فالجواب : أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب ، لا سيما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر في الحديث ما لا يحتمل غير اللبس : كالحرير ، والديباج .

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قيل : جاء في بعض الروايات الصحيحة ما يفسر هذا ، ويبين أن المراد بالفضة الشرب في آنيتها لا لبسها ; قال البخاري في صحيحه " باب الشرب في آنية الذهب " ، حدثنا حفص بن عمر ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن ابن أبي ليلى قال : كان حذيفة بالمدائن فاستسقى ، فأتاه دهقان بقدح فضة ، فرماه به ، فقال : إني لم أرمه ، إلا أني نهيته فلم ينته ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهانا عن الحرير والديباج ، والشرب في آنية الذهب والفضة ، وقال : " هن لهم في الدنيا ولكم في الآخرة " ، " باب آنية الفضة " ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن ابن عون ، عن مجاهد ، عن ابن أبي ليلى ، قال : خرجنا مع حذيفة وذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تلبسوا الحرير والديباج ; فإنها لهم في الدنيا [ ص: 357 ] ولكم في الآخرة " ، انتهى .

                                                                                                                                                                                                                                      فدل هذا التفصيل - الذي هو النهي عن الشرب في آنية الذهب والفضة ، والنهي عن لبس الحرير والديباج - : على أن ذلك هو المراد بما في الرواية الأولى ، وإذن فلا حجة في الحديث على منع لبس الفضة ; لأنه تعين بهاتين الروايتين أن المراد الشرب في آنيتها لا لبسها ; لأن الحديث حديث واحد .

                                                                                                                                                                                                                                      فالجواب من ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                      الأول : أن الرواية المتقدمة عامة بظاهرها في الشرب واللبس معا ، والروايات المقتصرة على الشرب في آنيتها دون اللبس ذاكرة بعض أفراد العام ، ساكتة عن بعضها . وقد تقرر في الأصول : " أن ذكر بعض أفراد العام بحكم العام لا يخصصه " ، وهو الحق كما بيناه في غير هذا الموضع . وإليه أشار في مراقي السعود بقوله عاطفا على ما لا يخصص به العموم على الصحيح :


                                                                                                                                                                                                                                      وذكر ما وافقه من مفرد     ومذهب الراوي على المعتمد



                                                                                                                                                                                                                                      الوجه الثاني : أن التفصيل المذكور لو كان هو مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - لكان الذهب لا يحرم لبسه ، وإنما يحرم الشرب في آنيته فقط ، كما زعم مدعي ذلك التفصيل في الفضة ; لأن الروايات التي فيها التفصيل المذكور : " لا تشربوا في آنية الذهب والفضة " ، فظاهرها عدم الفرق بين الذهب والفضة . ولبس الذهب حرام إجماعا على الرجال .

                                                                                                                                                                                                                                      الوجه الثالث : وهو أقواها ، ولا ينبغي لمن فهمه حق الفهم أن يعدل عنه ; لظهور وجهه ، هو : أن هذه الأربعة المذكورة في هذا الحديث ، التي هي : الذهب ، والفضة ، والحرير ، والديباج ، صرح النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها للكفار في الدنيا ، وللمسلمين في الآخرة ، فدل ذلك على أن من استمتع بها من الدنيا لم يستمتع بها في الآخرة ، وقد صرح - جل وعلا - في كتابه العزيز بأن أهل الجنة يتمتعون بالذهب والفضة من جهتين :

                                                                                                                                                                                                                                      إحداهما : الشراب في آنيتهما .

                                                                                                                                                                                                                                      والثانية : التحلي بهما . وبين أن أهل الجنة يتنعمون بالحرير والديباج من جهة واحدة وهي لبسها ، وحكم الاتكاء عليهما داخل في حكم لبسهما . فتعين تحريم الذهب والفضة من الجهتين المذكورتين . وتحريم الحرير والديباج من الجهة الواحدة ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - الثابت في الروايات الصحيحة في الأربعة المذكورة : " هي لهم في الدنيا ، ولكم في [ ص: 358 ] الآخرة " ; لأنه لو أبيح التمتع بالفضة في الدنيا والآخرة ; لكان ذلك معارضا لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " هي لهم في الدنيا ، ولكم في الآخرة " ، وسنوضح ذلك - إن شاء الله تعالى - من كتاب الله - جل وعلا - .

                                                                                                                                                                                                                                      اعلم أولا : أن الديباج هو المعبر عنه في كتاب الله بالسندس والإستبرق . فالسندس : رقيق الديباج . والإستبرق : غليظه .

                                                                                                                                                                                                                                      فإذا علمت ذلك ; فاعلم أن الله - جل وعلا - بين تنعم أهل الجنة بلبس الذهب والديباج الذي هو السندس والإستبرق في " سورة الكهف " ، في قوله : أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق الآية [ 18 \ 31 ] ، فمن لبس الذهب والديباج في الدنيا منع من هذا التنعم بهما المذكور في " الكهف " .

                                                                                                                                                                                                                                      ذكر - جل وعلا - تنعم أهل الجنة بلبس الحرير والذهب في " سورة الحج " ، في قوله : إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد . [ 22 \ 23 - 24 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وبين أيضا تنعمهم بلبس الذهب والحرير في " سورة فاطر " ، في قوله : جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن . الآية [ 35 \ 33 ، 34 ] ، فمن لبس الذهب والحرير في الدنيا منع من هذا التنعم بهما المذكور في " سورة الحج وفاطر " .

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر - جل وعلا - تنعمهم بلبس الحرير في " سورة الإنسان " ، في قوله : وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا [ 76 \ 12 ] ، وفي " الدخان " بقوله إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون يلبسون من سندس وإستبرق الآية [ 44 \ 51 - 53 ] ، فمن لبس الحرير في الدنيا منع من هذا التنعم به المذكور في " سورة الإنسان والدخان " .

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر - جل وعلا - تنعمهم بالاتكاء على الفرش التي بطائنها " من إستبرق " في " سورة الرحمن " ، بقوله : متكئين على فرش بطائنها من إستبرق . الآية [ 55 \ 54 ] . فمن اتكأ على الديباج في الدنيا منع هذا التنعم المذكور في " سورة الرحمن " .

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر - جل وعلا - تنعم أهل الجنة بلبس الديباج ، الذي هو السندس والإستبرق ولبس [ ص: 359 ] الفضة في " سورة الإنسان " أيضا ، في قوله : عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا [ 76 \ 21 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      فمن لبس الديباج أو الفضة في الدنيا منع من التنعم بلبسهما المذكور في " سورة الإنسان " ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " هي لهم في الدنيا ، ولكم في الآخرة " ، فلو أبيح لبس الفضة في الدنيا مع قوله في نعيم أهل الجنة : وحلوا أساور من فضة [ 76 \ 21 ] ; لكان ذلك مناقضا لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " هي لهم في الدنيا ، ولكم في الآخرة " .

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر تنعم أهل الجنة بالشرب في آنية الذهب في " سورة الزخرف " ، في قوله تعالى : يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب الآية [ 43 \ 71 ] ، فمن شرب في الدنيا في أواني الذهب منع من هذا التنعم بها المذكور في " الزخرف " .

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر - جل وعلا - تنعم أهل الجنة بالشرب في آنية الفضة في " سورة الإنسان " ، في قوله : ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قوارير قوارير من فضة قدروها تقديرا ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا [ 76 \ 15 - 18 ] ، فمن شرب في آنية الفضة في الدنيا منع هذا التنعم بها المذكور في " سورة الإنسان " ، فقد ظهر بهذا المصنف دلالة القرآن والسنة الصحيحة على منع لبس الفضة . والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية