الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء

401 - واختلفوا إن سكت الشيخ ولم يقر لفظا فرآه المعظم      402 - وهو الصحيح كافيا وقد منع
بعض أولي الظاهر منه وقطع      403 - به أبو الفتح سليم الرازي
ثم أبو إسحاق الشيرازي      404 - كذا أبو نصر وقال يعمل
به وألفاظ الأداء الأول

الثاني : ( واختلفوا ) أي : العلماء من المحدثين وغيرهم ( إن سكت الشيخ ) المتيقظ العارف غير المكره بعد قول الطالب له : أخبرك فلان ، أو قلت : أنا فلان ، أو نحو ذلك ، مع إصغائه إليه وفهمه لما يقول عن التعرض لإنكار المروي أو شيء منه ، ولإنكار الإخبار .

( ولم يقر لفظا ) بقوله : نعم ، وما أشبهه ، كأن يومئ برأسه أو يشير بإصبعه ، وغلب على ظن القارئ أن سكوته إجابة ( فرآه المعظم ) من الفقهاء والمحدثين والنظار ( وهو الصحيح كافيا ) في صحة السماع كما حكاه عياض وصححه ، وقال : إن الشرط غير لازم ; لأنه لا يصح من ذي دين إقرار على الخطأ في مثل هذا ، فلا معنى للتقرير بعد .

ولعل المروي عن مالك ; يعني كما في صحيح مسلم ، وعن أمثاله في فعل ذلك للتأكيد لا للزوم .

[ ص: 189 ] قال ابن الصلاح : وسكوت الشيخ على الوجه المذكور نازل منزلة تصريحه بتصديق القارئ اكتفاء بالقرائن الظاهرة .

قلت : وأيضا فسكوته خصوصا بعد قوله له : هل سمعت ، فيما ليس بصحيح ، موهم للصحة ، وذلك بعيد عن العدول ; لما يتضمن من الغش وعدم النصح .

وهذه المسألة مما استثني من أصل الشافعي رحمه الله ; حيث قال : " لا ينسب إلى ساكت قول " . وحينئذ فيؤدي بألفاظ العرض كلها حتى حدثني وأخبرني ، كما حكى تجويزه فيهما عن الفقهاء والمحدثين الآمدي ، وصححه ابن الحاجب ، بل حكى عن الحاكم أنه مذهب الأربعة .

ومن هنا قال حبيب بن أبي ثابت : إذا حدثني رجل عنك بحديث ، يعني بحضرة المحدث عنه وسكوته ، ثم حدثت به عنك كنت صادقا ، وأنكر مالك على طالب التصريح منه بالإقرار ، وقال : ألم أفرغ لكم نفسي ، وسمعت عرضكم ، وأقمت سقطه وزلله . وبهذا يتأيد التأويل الماضي فيما نقل عنه من صنيعه ( و ) لكن ( قد منع بعض أولي الظاهر منه ) أي : من الاكتفاء بسكوت الشيخ في الرواية ، فاشترطوا إقراره بذلك نطقا ، والباقون من الظاهرية إما [ ص: 190 ] ساكتون أو مع الأولين ، بل نقله الخطيب عن بعض أصحاب الحديث أيضا ; فإنه قال : زعم بعض أصحاب الحديث وقوم من أهل الظاهر أن من قرأ على شيخ حديثا لم تجز له روايته عنه إلا بعد أن يقر الشيخ به - انتهى .

وكذا حكاه غيره عن جماعة من المشارقة .

وقال الحاكم : عهدت مشايخنا لا يصححون سماع من سمع من أبي بكر محمد بن إسماعيل بن مهران الإسماعيلي الحافظ في المرض ; فإنه كان لا يقدر أن يحرك لسانه إلا ب " لا " ، فكان إذا قيل له : كما قرأنا عليك ؟ قال : لا لا لا ، ويحرك رأسه ب " نعم " .

وأما عبد الله بن سعد فحدثني أنه كان ما يقدر أن يحرك رأسه ، وقال : لم يصح لي عنه سوى حديث واحد ; فإني قرأته عليه غير مرة ، إلى أن أشار بعينيه إشارة فهمناها عنه أن نعم .

( وقطع به ) أي : بالمنع مطلقا من الشافعية ( أبو الفتح سليم الرازي ثم ) الشيخ ( أبو إسحاق ) بالصرف للضرورة ( الشيرازي ) ، و ( كذا أبو نصر ) هو ابن الصباغ ( و ) لكنه ( قال ) : إنه ( يعمل به ) أي : بالمروي ، سواء السامع أو القارئ أو من حمله عنه .

ولم يمنع الرواية مع الإفصاح بالواقع ; حيث قال ما معناه : ( وألفاظ الأداء ) لمن سمع أو قرأ كذلك ، وأردأ روايته هي الألفاظ ( الأول ) ، خاصة المنبئة عن الحال الواقع ، المتفق عليها ، وهي : قرأت عليه ، أو قرئ عليه وأنا أسمع ، لا جميعها [ ص: 191 ] فلا يقل : حدثني ، ولا أخبرني . وهذا ما صححه الغزالي والآمدي ، وحكاه عن المتكلمين ، بل جزم صاحب ( المحصول ) بأنه لا يقولهما ، وكذا سمعت ، لو أشار برأسه أو إصبعه للإقرار به ولم يتلفظ .

قال الشارح : وفيه نظر ; يعني : فإن الإشارة قائمة مقام العبارة في الإعلام بذلك ، فتجرى عليها الأحكام ، وهو ظاهر .

وبالجملة ، فتصريح المحدث بالإقرار مستحب ; فقد قال الخطيب : ولو قال له القارئ عند الفراغ : كما قرأت عليك ، فأقر به ، كان أحب إلينا - انتهى .

ولو كان الاعتماد في سماعه على المفيد فالحكم فيه فيما يظهر كذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية