الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قال الشافعي رحمه الله : الضابط أن كل من صح طلاقه صح ظهاره ، فعلى هذا ظهار الذمي عنده صحيح ، وقال أبو حنيفة لا يصح ، واحتج الشافعي بعموم قوله تعالى : ( والذين يظاهرون من نسائهم ) وأما القياس فمن وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن تأثير الظهار في التحريم ، والذمي أهل لذلك ، بدليل صحة طلاقه ، وإذا ثبت هذا وجب أن يصح هذا التصرف منه قياسا على سائر التصرفات .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن الكفارة إنما وجبت على المسلم زجرا له عن هذا الفعل الذي هو منكر من القول وزور ، وهذا المعنى قائم في حق الذمي فوجب أن يصح ، واحتجوا لقول أبي حنيفة بهذه الآية من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : احتج أبو بكر الرازي بقوله تعالى : ( الذين يظاهرون منكم من نسائهم ) وذلك خطاب للمؤمنين ، فيدل على أن الظهار مخصوص بالمؤمنين .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن من لوازم الظهار الصحيح وجوب الصوم على العائد العاجز عن الإعتاق ، بدليل قوله تعالى : ( والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا ) إلى قوله : ( فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ) [ المجادلة : 4 ] وإيجاب الصوم على الذمي ممتنع ؛ لأنه لو وجب لوجب ، إما مع الكفر وهو باطل بالإجماع ، أو بعد الإيمان وهو باطل ؛ لقوله عليه السلام : " الإسلام يجب ما قبله " .

                                                                                                                                                                                                                                            ( والجواب ) عن الأول من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أن قوله : ( منكم ) خطاب مشافهة ، فيتناول جميع الحاضرين ، فلم قلتم : إنه مختص بالمؤمنين ؟ سلمنا أنه مختص بالمؤمنين ، فلم قلتم : إن تخصيصه بالمؤمنين في الذكر يدل على أن حال غيرهم بخلاف ذلك ، لا سيما ومن مذهب هذا القائل أن التخصيص بالذكر لا يدل على أن حال ما عداه بخلافه ، سلمنا بأنه يدل عليه ، لكن دلالة المفهوم أضعف من دلالة المنطوق ، فكان التمسك بعموم قوله : ( والذين يظاهرون ) أولى ، سلمنا الاستواء في القوة ، لكن مذهب أبي حنيفة أن العام إذا ورد بعد الخاص كان ناسخا للخاص ، والذي تمسكنا به وهو قوله : ( والذين يظاهرون من نسائهم ) ( المجادلة : 3 ) متأخر في الذكر عن قوله : ( الذين يظاهرون منكم ) والظاهر أنه كان متأخرا في النزول أيضا ؛ لأن قوله : ( الذين يظاهرون منكم ) ليس فيه بيان حكم الظهار ، وقوله : ( والذين يظاهرون من نسائهم ) فيه بيان حكم الظهار ، وكون المبين متأخرا في النزول عن المجمل أولى .

                                                                                                                                                                                                                                            ( والجواب ) عن الثاني من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن لوازمه أيضا أنه متى عجز عن الصوم اكتفي منه بالإطعام ، فههنا إن تحقق العجز وجب أن يكتفى منه بالإطعام ، وإن لم يتحقق فقد زال السؤال .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن الصوم يدل عن الإعتاق ، والبدل أضعف من المبدل ، ثم إن العبد عاجز عن الإعتاق مع أنه يصح ظهاره ، فإذا كان فوات أقوى اللازمين لا يوجب المنع مع صحة الظهار ، ففوات أضعف اللازمين كيف يمنع من القول بصحة الظهار ؟

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : قال القاضي حسين من أصحابنا : إنه يقال : إن أردت الخلاص من التحريم ، فأسلم وصم ، أما قوله عليه الصلاة والسلام : " الإسلام يجب ما قبله " قلنا : إنه عام ، والتكليف بالتكفير خاص ، والخاص مقدم على العام ، وأيضا فنحن لا نكلفه بالصوم بل نقول : إذا أردت إزالة التحريم فصم ، وإلا فلا تصم .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 221 ]

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية