[ ص: 5 ] الإمام الشافعي ( خت ، 4 )
محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، الإمام ، عالم العصر ، ناصر الحديث ، فقيه [ ص: 6 ] الملة أبو عبد الله القرشي ثم المطلبي الشافعي المكي ، الغزي المولد ، نسيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وابن عمه ، فالمطلب هو أخو هاشم والد عبد المطلب .
اتفق مولد الإمام بغزة ، ومات أبوه إدريس شابا ، فنشأ محمد يتيما في حجر أمه ، فخافت عليه الضيعة ، فتحولت به إلى محتده وهو ابن عامين ، فنشأ بمكة ، وأقبل على الرمي ، حتى فاق فيه الأقران ، وصار يصيب من عشرة أسهم تسعة ، ثم أقبل على العربية والشعر ، فبرع في ذلك وتقدم . ثم حبب إليه الفقه ، فساد أهل زمانه .
وأخذ العلم ببلده عن : مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة ، وداود بن عبد الرحمن العطار ، وعمه محمد بن علي بن شافع ، فهو ابن عم العباس جد ، الشافعي ، وسفيان بن عيينة وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي ، وسعيد بن سالم ، ، وعدة . ولم أر له شيئا عن وفضيل بن عياض ونحوه ، وكان معه نافع بن عمر الجمحي بمكة .
وارتحل -وهو ابن نيف وعشرين سنة وقد أفتى وتأهل للإمامة- إلى [ ص: 7 ] المدينة ، فحمل عن مالك بن أنس " الموطأ " عرضه من حفظه ، -وقيل : من حفظه لأكثره- وحمل عن : إبراهيم بن أبي يحيى فأكثر ، وعبد العزيز الدراوردي ، وعطاف بن خالد ، ، وإسماعيل بن جعفر وإبراهيم بن سعد وطبقتهم .
وأخذ باليمن عن : مطرف بن مازن ، وهشام بن يوسف القاضي ، وطائفة ، وببغداد عن : محمد بن الحسن ، فقيه العراق ، ولازمه ، وحمل عنه وقر بعير ، وعن إسماعيل ابن علية ، وخلق . وعبد الوهاب الثقفي
وصنف التصانيف ، ودون العلم ، ورد على الأئمة متبعا الأثر ، وصنف في أصول الفقه وفروعه ، وبعد صيته ، وتكاثر عليه الطلبة .
حدث عنه : ، الحميدي ، وأبو عبيد القاسم بن سلام ، وأحمد بن حنبل وسليمان بن داود الهاشمي ، وأبو يعقوب يوسف البويطي ، ، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي وحرملة بن يحيى ، وموسى بن أبي الجارود المكي ، وعبد العزيز المكي صاحب " الحيدة " وحسين بن علي [ ص: 8 ] الكرابيسي ، وإبراهيم بن المنذر الحزامي ، والحسن بن محمد الزعفراني ، وأحمد بن محمد الأزرقي ، وأحمد بن سعيد الهمداني ، وأحمد بن أبي شريح الرازي ، وأحمد بن يحيى بن وزير المصري ، وأحمد بن عبد الرحمن الوهبي ، وابن عمه إبراهيم بن محمد الشافعي ، ، وإسحاق بن راهويه ، وإسحاق بن بهلول وأبو عبد الرحمن أحمد بن يحيى الشافعي المتكلم ، والحارث بن سريج النقال ، وحامد بن يحيى البلخي ، وسليمان بن داود المهري ، وعبد العزيز بن عمران بن مقلاص ، وعلي بن معبد الرقي .
وعلي بن سلمة اللبقي ، وعمرو بن سواد ، وأبو حنيفة قحزم بن عبد الله الأسواني ، ومحمد بن يحيى العدني ، ومسعود بن سهل المصري ، وهارون بن سعيد الأيلي ، ، وأحمد بن سنان القطان وأبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح ، ، ويونس بن عبد الأعلى والربيع بن سليمان المرادي ، والربيع بن سليمان الجيزي ، ، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، وخلق سواهم . وبحر بن نصر الخولاني
وقد أفرد كتاب من له رواية عن الدارقطني في جزأين ، وصنف الكبار في مناقب هذا الإمام قديما وحديثا ونال بعض الناس [ ص: 9 ] منه غضا ، فما زاده ذلك إلا رفعة وجلالة ، ولاح للمنصفين أن كلام أقرانه فيه بهوى ، وقل من برز في الإمامة ورد على من خالفه إلا وعودي ، نعوذ بالله من الهوى ، وهذه الأوراق تضيق عن مناقب هذا السيد . الشافعي
فأما جدهم السائب المطلبي ، فكان من كبراء من حضر بدرا مع الجاهلية ، فأسر يومئذ ، وكان يشبه بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ، ووالدته هي الشفاء بنت أرقم بن نضلة ، ونضلة هو أخو عبد المطلب جد النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فيقال : إنه بعد أن فدى نفسه ، أسلم .
وابنه شافع له رؤية ، وهو معدود في صغار الصحابة .
وولده عثمان تابعي ، لا أعلم له كبير رواية .
وكان أخوال من الشافعي الأزد .
عن ابن عبد الحكم قال : لما حملت والدة به ، رأت كأن [ ص: 10 ] المشتري خرج من فرجها ، حتى انقض الشافعي بمصر ، ثم وقع في كل بلدة منه شظية ، فتأوله المعبرون أنها تلد عالما ، يخص علمه أهل مصر ، ثم يتفرق في البلدان .
هذه رواية منقطعة .
وعن أبي عبد الله الشافعي ، فيما نقله ابن أبي حاتم ، عن ابن أخي ابن وهب عنه ، قال : ولدت باليمن -يعني القبيلة ، فإن أمه أزدية- قال : فخافت أمي علي الضيعة ، وقالت : الحق بأهلك ، فتكون مثلهم ، فإني أخاف عليك أن تغلب على نسبك ، فجهزتني إلى مكة ، فقدمتها يومئذ وأنا ابن عشر سنين ، فصرت إلى نسيب لي ، وجعلت أطلب العلم ، فيقول لي : لا تشتغل بهذا ، وأقبل على ما ينفعك ، فجعلت لذتي في العلم .
قال ابن أبي حاتم : سمعت عمرو بن سواد : قال لي : ولدت الشافعي بعسقلان ، فلما أتى علي سنتان ، حملتني أمي إلى مكة .
وقال ابن عبد الحكم : قال لي : ولدت الشافعي بغزة سنة خمسين ومائة وحملت إلى مكة ابن سنتين . [ ص: 11 ]
قال المزني : ما رأيت أحسن وجها من -رحمه الله- وكان ربما قبض على لحيته فلا يفضل عن قبضته . الشافعي
قال الربيع المؤذن : سمعت يقول : كنت ألزم الرمي حتى كان الطبيب يقول لي : أخاف أن يصيبك السل من كثرة وقوفك في الحر ، قال : وكنت أصيب من العشرة تسعة . الشافعي
قال : سمعت الحميدي يقول : كنت يتيما في حجر أمي ، ولم يكن لها ما تعطيني للمعلم ، وكان المعلم قد رضي مني أن أقوم على الصبيان إذا غاب ، وأخفف عنه . الشافعي
وعن قال : كنت أكتب في الأكتاف والعظام ، وكنت أذهب إلى الديوان ، فأستوهب الظهور ، فأكتب فيها . الشافعي
قال عمرو بن سواد : قال لي : كانت نهمتي في الرمي وطلب العلم ، فنلت من الرمي حتى كنت أصيب من عشرة عشرة ، وسكت عن العلم ، فقلت : أنت والله في العلم أكبر منك في الرمي . الشافعي
قال أحمد بن إبراهيم الطائي الأقطع : حدثنا المزني ، سمع يقول : حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين ، وحفظت " الموطأ " وأنا ابن عشر . [ ص: 12 ] الشافعي
الأقطع مجهول .
وفي " مناقب " الشافعي للآبري سمعت الزبير بن عبد الواحد الهمذاني ، أخبرنا علي بن محمد بن عيسى ، سمعت الربيع بن سليمان يقول : ولد يوم مات الشافعي أبو حنيفة -رحمهما الله تعالى .
وعن قال : أتيت الشافعي وأنا ابن ثلاث عشرة سنة -كذا قال ، والظاهر أنه كان ابن ثلاث وعشرين سنة - قال : فأتيت ابن عم لي والي مالكا المدينة ، فكلم ، فقال : اطلب من يقرأ لك . قلت : أنا أقرأ ، فقرأت عليه ، فكان ربما قال لي لشيء قد مر : أعده ، فأعيده حفظا ، فكأنه أعجبه ، ثم سألته عن مسألة ، فأجابني ، ثم أخرى ، فقال : أنت تحب أن تكون قاضيا . مالكا
ويروى عن : أقمت في بطون الشافعي العرب عشرين سنة ، آخذ أشعارها ولغاتها ، وحفظت القرآن ، فما علمت أنه مر بي حرف إلا وقد [ ص: 13 ] علمت المعنى فيه والمراد ، ما خلا حرفين ، أحدهما : دساها .
إسنادها فيه مجهول .
قال ابن عبد الحكم : سمعت يقول : قرأت القرآن على الشافعي إسماعيل بن قسطنطين ، وقال : قرأت على شبل ، وأخبر شبل أنه قرأ على عبد الله بن كثير ، وقرأ على مجاهد ، وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عباس . قال : وكان الشافعي إسماعيل يقول : القرآن اسم ليس بمهموز ، ولم يؤخذ من : " قرأت " ولو أخذ من " قرأت " كان كل ما قرئ قرآنا ، ولكنه اسم للقرآن مثل التوراة والإنجيل . [ ص: 14 ]
الأصم : حدثنا وابن أبي حاتم الربيع : سمعت يقول : قدمت على الشافعي مالك ، وقد حفظت " الموطأ " ظاهرا ، فقلت : أريد سماعه ، قال : اطلب من يقرأ لك . فقلت : لا عليك أن تسمع قراءتي ، فإن سهل عليك قرأت لنفسي .
أحمد بن الحسن الحماني : حدثنا أبو عبيد ، قال : رأيت عند الشافعي محمد بن الحسن ، وقد دفع إليه خمسين دينارا ، وقد كان قبل ذلك دفع إليه خمسين درهما ، وقال : إن اشتهيت العلم ، فالزم . قال أبو عبيد : فسمعت يقول : كتبت عن الشافعي محمد وقر بعير ، ولما أعطاه محمد ، قال له : لا تحتشم . قال : لو كنت عندي ممن أحشمك ما قبلت برك .
ابن أبي حاتم : حدثنا الربيع بن سليمان : سمعت يقول : حملت عن الشافعي محمد بن الحسن حمل بختي ليس عليه إلا سماعي . [ ص: 15 ]
قال أحمد بن أبي سريج : سمعت يقول : قد أنفقت على كتب الشافعي محمد ستين دينارا ، ثم تدبرتها ، فوضعت إلى جنب كل مسألة حديثا -يعني : رد عليه .
قال هارون بن سعيد : قال لي : أخذت اللبان سنة للحفظ ، فأعقبني صب الدم سنة . الشافعي
قال أبو عبيد : ما رأيت أحدا أعقل من ، وكذا قال الشافعي ، حتى إنه قال : لو جمعت أمة لوسعهم عقله . يونس بن عبد الأعلى
قلت : هذا على سبيل المبالغة ، فإن الكامل العقل لو نقص من عقله نحو الربع ، لبان عليه نقص ما ، ولبقي له نظراء ، فلو ذهب نصف ذلك العقل منه ، لظهر عليه النقص ، فكيف به لو ذهب ثلثا عقله ! فلو أنك أخذت عقول ثلاثة أنفس مثلا ، وصيرتها عقل واحد ، لجاء منه كامل العقل وزيادة .
جماعة : حدثنا الربيع ، سمعت ، سمعت الحميدي مسلم بن خالد الزنجي يقول : أفت يا للشافعي أبا عبد الله ، فقد والله آن لك أن تفتي - [ ص: 16 ] وهو ابن خمس عشرة سنة . وقد رواها محمد بن بشر الزنبري ، وأبو نعيم الإسترآباذي ، عن الربيع ، عن قال : قال الحميدي الزنجي . وهذا أشبه ، فإن يصغر عن السماع من الحميدي مسلم ، وما رأينا له في " مسنده " عنه رواية .
جماعة : حدثنا الربيع ، قال : لأن يلقى الله العبد بكل ذنب إلا الشرك خير من أن يلقاه بشيء من الأهواء . الشافعي
الزبير الإسترآباذي : حدثني محمد بن يحيى بن آدم بمصر ، حدثنا ابن عبد الحكم ، سمعت يقول : لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء ، لفروا منه كما يفرون من الأسد . الشافعي
قال يونس الصدفي : ما رأيت أعقل من ، ناظرته يوما في مسألة ، ثم افترقنا ، ولقيني ، فأخذ بيدي ، ثم قال : يا الشافعي أبا موسى ، ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة . [ ص: 17 ]
قلت : هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام ، وفقه نفسه ، فما زال النظراء يختلفون .