جواب شبهة حول بيع المحرمات للكفار

3-4-2010 | إسلام ويب

السؤال:
في ظل معاناة الأقليات الإسلامية في البلاد الغربية في مسألة المعاملات التجارية. هل يجوز العمل برأي من قال بأن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة، خاصة في مسألة بيع الملابس العارية لنساء غير المسلمين الذين يُقطع بأنهم يستخدمونها لغير محارمهم، مع العلم بأنه توجد كيانات تجارية كبيرة لأبناء المسلمين قائمة على هذا العمل صناعة وتجارة ومنهم الملتزمون الحريصون على أداء زكاة أموالهم ودعم الدعوة الإسلامية، ويصعب عليهم جداً هدم هذه الكيانات. وفي هذا الصدد ما مدى صحة القاعدة الأصولية القائلة بأنه (من ابتلي بشيء فله أن يقلد من أجاز)؟ أفتونا مأجورين والرجاء سريعاً.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فبداية ننبه السائل الكريم على أن إقامة المسلم في مثل هذه البلاد لا تجوز إلا مع أمن الفتنة والقدرة على إظهار شعائر الدين.

ومع ذلك فالأفضل بلا خلاف هو إقامته في ديار المسلمين؛ فإن الإقامة بين أظهر الكفار يترتب عليها محاذير ومخاطر عظيمة، ومنها المسألة المسؤول عنها، ومنها التأثير السلبي على العقيدة، بموالاتهم محبة وإعجاباً بهم، لما يرى مما عندهم من زهرة الحياة الدنيا وزينتها مما لا يزن عند الله جناح بعوضة.

 ومنها أنه قد يخف عنده الشعور بالكراهية لما هم عليه من كفر بالله تعالى ومنكرات وانحلال. ومنها أنه يعرض ذريته للفساد ... وغير ذلك مما سبق أن بيناه في الفتوى: 20063.

وأما مسألة بيع المحرمات للكفار، ومنها الملابس العارية لغير المسلمات مع القطع بأنهن يستخدمنها لغير محارمهن، كما ورد في السؤال، فالصواب أن ذلك لا يجوز لمسلم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله عز وجل إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه. رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني.

 قال ابن حجر في (فتح الباري): فيه أن الشيء إذا حرم عينه حرم ثمنه، وفيه دليل على أن بيع المسلم الخمر من الذمي لا يجوز، وكذا توكيل المسلم الذمي في بيع الخمر، وأما تحريم بيعها على أهل الذمة فمبني على الخلاف في خطاب الكافر بالفروع. اهـ.

وقد سبق لنا بيان هذه المسألة، وبيان رجحان أن الكفار مخاطبون بالفروع، وما يترتب على ذلك من حرمة بيع المحرمات لهم، فراجع الفتاوى: 20318، 32865، 41130، 98419، 107506، 122045.

وأما قاعدة أن (من ابتلي بشيء فله أن يقلد من أجاز) فلم نجد من نص عليها من الأئمة والراسخين في العلم على طول القرون، وإنما ذكرها بعض المتأخرين تأصيلا للأخذ بالأيسر من أقوال العلماء، وهذا القول مخالف لما عليه أئمة العلم من أن المفتي والمستفتي كليهما لا يسعهما اتباع الهوى ولا الترخص من غير دليل، بل الواجب عليهما عند الاختلاف هو اتباع الأقرب لمراد الله تعالى ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، فليس الحكم للأيسر ولا للأعسر، وإنما الحكم للأرجح، وهو الأقرب مأخذا من الدليل، ومن ذلك ما نقله البيهقي في (المدخل) عن الإمام الشافعي قال: إن اختلف الحكام استدللنا الكتاب والسنة في اختلافهم، فصرنا إلى القول الذي عليه الدلالة من الكتاب والسنة، وقل ما يخلو اختلافهم من دلائل كتاب أو سنة، وإن اختلف المفتون بعد الأئمة بلا دلالة فيما اختلفوا فيه، نظرنا إلى الأكثر، فإن تكافأوا نظرنا إلى أحسن أقاويلهم مخرجا عندنا. اهـ.

وقال النووي: ليس للمفتي والعامل في مسألة القولين أن يعمل بما شاء منهما بغير نظر، بل عليه العمل بأرجحهما. اهـ.

والمستفتي ينبغي ألا يسأل ابتداء إلا من يثق في علمه وورعه، فإن اختلف عليه جوابان فإنه ليس مخيرا بينهما، بأيهما شاء أخذ، بل عليه العمل بنوع من الترجيح، من حيث علم المفتي وورعه وتقواه، كما سبق بيانه في الفتوى: 5583.

 ومن لم يكن عنده من العلم ما يميز به الأرجح فعليه أن يختار الأوثق في نفسه من أهل العلم فيقلده، بغض النظر عن التيسير أو التعسير في فتواه، فإن أراد أن يختار لنفسه الأفضل فعليه بأخذ الأحوط من القولين والخروج من الخلاف ما أمكنه. وراجع في ذلك الفتوى: 160815.

وقد سبق لنا التنبيه على أن تتبع رخص المذاهب دون سبب معتبر أنه يعد هروبا من التكاليف وهدما لبنيان الدين، ونقضا لمقاصد الشرع المرعية، في الأوامر والنواهي الشرعية. وقد اعتبر العلماء هذا العمل فسقا لا يحل ارتكابه. وحكى ابن حزم الإجماع على ذلك، ونقل في (الإحكام) عن سليمان التيمي قال: لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله. فراجع الفتوى: 4145.

كما سبق لنا التنبيه على أن التلفيق بين مذاهب أهل العلم إذا كان القصد منه التشهي بتتبع الرخص فهو ممنوع في كل حال، فراجع في ذلك الفتويين: 37716،  107754.  وما أحيل عليه فيهما.

 ولمزيد الفائدة في هذا الموضوع يرجى الاطلاع على الفتويين: 132994، 128029.

وأخيرا ننبه السائل الكريم على أن ما تقدم لا يتعارض مع كون الدين يسرا، وأن الحرج منفي عن هذه الشريعة، فإن الضرورات تبيح المحظورات إن تحققت بالفعل، وينبغي ضبط ذلك بالضوابط الشرعية لا بالهوى ولا بالتشهي، وإلا كان اعتداءا على الشريعة لا عملا برخصها، كما قال الله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ. {الأنعام: 119}. قال السعدي: { وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم } أي: بمجرد ما تهوى أنفسهم { بغير علم } ولا حجة. فليحذر العبد من أمثال هؤلاء، وعلامتهم - كما وصفهم الله لعباده- أن دعوتهم غير مبنية على برهان، ولا لهم حجة شرعية، وإنما يوجد لهم شبه بحسب أهوائهم الفاسدة، وآرائهم القاصرة، فهؤلاء معتدون على شرع الله وعلى عباد الله، والله لا يحب المعتدين، بخلاف الهادين المهتدين، فإنهم يدعون إلى الحق والهدى، ويؤيدون دعوتهم بالحجج العقلية والنقلية، ولا يتبعون في دعوتهم إلا رضا ربهم والقرب منه. اهـ.

والمقصود أن حال الضرورة له ما يخصه من الأحكام، وقد سبق لنا تعريف الضرورة، وبيان من تتناوله، في الفتوى: 15719.

والله أعلم.

www.islamweb.net