الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الشيطان يتربص بالإنسان، وقد أقسم على أن يأتيه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله . وإذا عسر عليه إغواء الإنسان من باب المعاصي أتاه من باب الطاعات والقربات، فإن عسر عليه ذلك أتاه من باب الوسوسة حتى يتمكن منه، فيشغل قلبه وجوارحه ويتمادى معه في ذلك حتى يدخل عليه من كل باب . وبالتالي فالوسوسة من الشيطان وتجاوبك مع الوسوسة قد يؤول بك إلى ما لا تحمد عاقبته، فاقطع على الشيطان سبيله بعدم الالتفات إلى ما يخيله إليك متى ما استقصيت في الحق، وفعلت في تبرئة ذمتك منه ما تستطيع، وأعرض عن وساوسه صفحا.
قال السيوطي في الديباج: وقيل إن الشيطان إنما يوسوس لمن أيس من إغوائه فينكد عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه. اهـ
وقال النووي : إذا عرض له هذا الوسواس فليلجأ إلى الله في دفع شره عنه . وليعرض عن الفكر في ذلك، وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان، وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء، فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته، وليبادر إلى قطعها بالانشغال بغيرها. اهـ
وما ذكرته إنما هو من هذا القبيل فقد كان يكفيك في المسألة الأولى أن تعود إلى المحاسب نفسه أو إلى المحاسب الثاني مرة واحدة للتيقن وتدفع الشك الذي راودك وتقطعه باليقين، وما عرض لك بعد ذلك لا تلتفت إليه، وعلى فرض حصول خطأ غير بين، فلا إثم عليك فيه.
وكذلك في المسألة الثانية حيث إنك بينت ما حدث وقد رضي المدير المسؤول عن ذلك بإرجاع العلبة رغم ما حدث فلا تلفت بعد ذلك إلى الوساوس . ثم إن صاحب الوسوسة أغلب ما يعرض له لا حقيقة له في الواقع، إنما هو من الشيطان، وبالتالي فلا يلتفت إليه أبدا، وليستعذ بالله من الشيطان متى عرض عليه. قال تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {الأعراف:200}.
والوسواس لا يترتب عليه حكم؛ إذ لا اعتبار لما يكون بسببه فلا يلتفت إليه، والأصل براءة الذمة من حقوق العباد، ولا يلزم الإنسان إلا ما عمرت به بيقين لا بمجرد الوساوس والأوهام.
وعلى كل فاتق الله ما استطعت، ولا تلفت بعدها إلى ما يعرض لك من الشكوك لأنك موسوس، ولا علاج لذلك إلا الالتفات عنه والانشغال بغيره والاستعاذة بالله والالتجاء إليه وراجع في حديث من كانت له مظلمة . الفتوى رقم : 21844.
والله أعلم.