الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما أبوك ـ عفا الله عنه ـ فقد أسرف على نفسه أيما إسراف، ولكن رحمة الله تعالى وسعت كل شيء، فإن كان مات على التوحيد فعسى أن يشمله عفو الله تعالى ومغفرته، وأما أنت فاجتهد في بره والدعاء له، ولا حرج عليك ـ إن شاء الله ـ في أن تحج عنه أو تستنيب من يحج عنه، وأما هل الأولى الإحجاج عن والديك أو التبرع لبناء المسجد المذكور، فإن كان والداك قد وجب عليهما الحج بأن حصلت لهما الاستطاعة ففرطا حتى ماتا فواجب أن يحج عنهما من تركتهما، وإن كانت الاستطاعة حصلت لأحدهما وجب أن يحج عن المستطيع من تركته، ويجب أن يخرج من التركة ما يحج به عنه قبل قسمة التركة، وانظر الفتويين رقم: 128955، ورقم: 140872.
وإن كان الحج قد وجب عليهما ولم يكونا خلفا ما يحج به عنهما فالأولى لك أن تحج أو تستنيب من يحج عنهما إبراء لذمتهما، قال النووي رحمه الله: فَلَوْ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَمَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ وَلَا تَرِكَةَ لَهُ بَقِيَ الْحَجُّ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ الْحَجُّ عَنْهُ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ، فَإِنْ حَجَّ عَنْهُ الْوَارِثُ بِنَفْسِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الْمَيِّتِ سَوَاءٌ كَانَ أَوْصَى بِهِ أَمْ لا. انتهى.
وأما إن كان الحج لم يجب عليهما وأردت أن تتطوع به عنهما أو تستنيب من يتطوع به عنهما فلا حرج عليك في ذلك إن كنت حججت عن نفسك، وانظر الفتوى رقم: 111133.
ولعل حجك عنهما أو استنابتك من يحج عنهما أولى من المساهمة في بناء المسجد، لوقوع هذا الحج واجبا عنهما، قال النووي: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ حَجٌّ وَلَا لَزِمَهُ حَجٌّ لِعَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ فَفِي جَوَازِ الْإِحْجَاجِ عَنْهُ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ، أَحَدُهُمَا: الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ، لِوُقُوعِهِ وَاجِبًا. انتهى.
والله أعلم.