الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الحق لك في استرجاع الرخصة، وكان منعك إياها ظلما، فيحنئذ يجوز لك دفع المال لاستعادتها، وأما إن لم يكن لك حق فيها، فلا يجوز ذلك، وهو حينئذ من الرشوة المحرمة، قال الخطابي في شرح حديث عبد الله بن عمرو: رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي ـ رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح ـ الراشي المعطي، والمرتشي الآخذ، وإنما يلحقهما العقوبة معا إذا استويا في القصد والإرادة، فرشا المعطي لينال به باطلا ويتوصل به إلى ظلم، فأما إذا أعطى ليتوصل به إلى حق أو يدفع عن نفسه ظلما، فإنه غير داخل في هذا الوعيد وروي أن ابن مسعود أخذ في شيء وهو بأرض الحبشة فأعطى دينارين حتى خلي سبيله، وروي عن الحسن والشعبي وجابر بن زيد وعطاء: أنهم قالوا: لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم، وكذلك الآخذ إنما يستحق الوعيد إذا كان ما يأخذه إما على حق يلزمه أداؤه، فلا يفعل ذلك حتى يرشا، أو عمل باطل يجب عليه تركه، فلا يتركه حتى يصانع ويرشا. اهـ.
وقال ابن عثيمين: الرشوة هي كل ما يتوصل به الإنسان إلى غرضه، مشتقة من الرشاء، وهو الحبل الذي يدلى به الدلو ليستقى به من البئر، وهي في الحقيقة تنقسم إلى قسمين: رشوة يتوصل بها الإنسان إلى باطل، لدفع حق واجب عليه أو الحصول على ما ليس له، فهذه محرمة على الآخذ وعلى المعطي أيضا، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لعن الراشي والمرتشي ـ واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، وهذا يدل على أنها من كبائر الذنوب حيث رتبت عليها هذه العقوبة العظيمة، والقسم الثاني: رشوة يتوصل بها الإنسان إلى حقه المشروع أو دفع باطل عنه وهذه محرمة في حق الآخذ وجائزة في حق المأخوذ منه، لأنه يريد أن يتخلص من الظلم أو يتوصل إلى حقه وهو غير ملوم على هذا، ولكن إذا حصل مثل هذا في مسؤولين من الدولة، فإنه يجب على المواطنين أن يساعدوا الدولة في القضاء على هذه المشكلة بإبلاغ الدولة بما حصل. اهـ.
وأما عن دفعك الرشوة ـ في حال جوازها ـ من الفوائد الربوية لأموال أبيك، فيقال: إن الواجب على والدك هو التخلص من الفوائد الربوية بصرفها على الفقراء ومصالح المسلمين، ولا تبرأ ذمته بإعطائك الفوائد الربوية لتداري بها الظلمة إن لم تكن فقيرا، كما سبق في الفتاوى التالية أرقامها: 123820، 9878، 36269.
والله أعلم.