الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يكفر من كانت تحدثه نفسه بالكفر دون إرادته، ولا يقر ذلك قلبه، ولا يعتقده، ولم يتكلم به، أو يعمل به، فقد قال الله تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا {البقرة:286}، وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل، أو تتكلم. متفق عليه.
وقال النووي في (الأذكار): الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر، ويستمر عليه صاحبه، فمعفو عنه باتفاق العلماء؛ لأنه لا اختيار له في وقوعه، ولا طريق له إلى الانفكاك عنه. وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به، أو تعمل.
قال العلماء: المراد به الخواطر التي لا تستقر. قالوا: وسواء كان ذلك الخاطر غيبة، أو كفرا أو غيره، فمن خطر له الكفر مجرد خطران من غير تعمد لتحصيله، ثم صرفه في الحال، فليس بكافر، ولا شيء عليه. انتهـى.
وأما من قال بلسانه في شخص ما: إنه هو الله، فيكفر بمجرد النطق بذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول: من قال بلسانه كلمة الكفر من غير حاجة، عامدًا لها، عالمًا بأنها كلمة كفر، فإنه يكفر بذلك ظاهرًا وباطنًا. اهـ.
وقال أيضًا كما في مجموع فتاويه: التَّكَلُّم بِالْكُفْرِ كُفْرٌ، لَا فِي حَالِ الْإِكْرَاهِ. اهـ.
ويكفر كذلك من اعتقد ما ذكر ولو لم يتكلم؛ لأن الاعتقاد عمل.
قال ابن حجر في فتح الباري: قَالَ النَّوَوِيّ: فِي الْآيَة دَلِيل عَلَى الْمَذْهَب الصَّحِيح أَنَّ أَفْعَال الْقُلُوب يُؤَاخَذ بِهَا إِنْ اِسْتَقَرَّتْ, وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّه تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسهَا، مَا لَمْ تَكَلَّمْ بِهِ، أَوْ تَعْمَل". فَمَحْمُول عَلَى مَا إِذَا لَمْ تَسْتَقِرّ. قُلْت (أي : ابن حجر): وَيُمْكِن أَنْ يُسْتَدَلّ لِذَلِكَ مِنْ عُمُوم قَوْله: (أَوْ تَعْمَل) لِأَنَّ الِاعْتِقَاد هُوَ عَمَل الْقَلْب. انتهى.
وقال السندي في حاشيته على سنن ابن ماجه والنسائي: اعتقاد الكفر ليس من حديث النفس، بل هو مندرج في العمل، وعمل كل شيء على حسبه. أو نقول: الكلام فيما يتعلق به تكلم أو عمل، بقرينة "ما لم يتكلم" الخ، وهذا ليس منهما، وإنما هو من أفعال القلب وعقائده، لا كلام فيه. انتهى.
وأما عن التوبة، والعود للإسلام، فإن من تاب وحقق شروط التوبة، فإن توبته تقبل، ويغفر ذنبه أيا كان، فقد قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} وقال سبحانه: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ {الأنفال:38}. وفي الحديث الشريف: التائب من الذنب، كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني. وراجع لمزيد الفائدة، الفتوى رقم: 242215.
وننبهك إلى أمرين:
أولهما: ضرورة مجاهدة نفسك للإقلاع عن هذه العادة المذمومة، ولبيان بعض الوسائل المعينة لك على التوبة منها، انظر الفتاوى التالية أرقامها: 171417، 155315، 154975، 149519.
وثانيهما: الحذر من مجاراة الوساوس، وأحاديث النفس التي قد تفضي بصاحبها إلى الوسواس، وراجع للفائدة، الفتوى رقم: 281329.
والله أعلم.