الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالحقيقة أن السائل لا يعتبر مدينًا من حيث الأصل؛ لأن البيع لا يتم في الإجارة المنتهية بالتمليك إلا بعد تمام عقد الإجارة، وكذلك الحال في المشاركة المتناقصة، فإن الملك فيها لا يكون دفعة واحدة، بل يحصل شيئًا فشيئًا بحسب ما يتم سداده من حصة الشريك، وتكون العلاقة بين السائل والبنك في حصة البنك علاقة إجارة لا بيع.
ولا يصح في كلا الصورتين أن يرد عقدان مختلفان (كالبيع، والإجارة) في وقت واحد على عين واحدة في زمن واحد، فالمشاركة المتناقصة يشترط في صحتها: أن يفصل بين العقود والالتزامات المتعلقة بالمشاركة، كما يشترط في صحة الإجارة المنتهية بالتمليك: وجود عقدين منفصلين، يستقل كل منهما عن الآخر زمانًا، وأن تكون الإجارة فعلية، وليست ساترة للبيع. وراجع في تفصيل ذلك الفتاوى التالية: 94968، 238231، 6374.
والمقصود أن الأقساط التي يسأل عنها السائل، وإن كانت تؤدي في النهاية إلى التملك بشروطه، إلا أنها ليست دينًا عن بيع مؤجل، أو أقساط ثابتة في الذمة.
ومن ثم؛ فلا تحسم من المال الذي وجبت زكاته؛ ولذلك فإن الباحثين المعاصرين في نوازل الزكاة لا يتناولون حكم زكاة المستأجر للأقساط التي يؤديها، وإنما يتناولون حكم زكاة المالك أو المؤجر، أو حكم زكاة المال المؤجر؛ لأن المؤجر مالك للعين المؤجرة، ويقولون: إن حكم زكاة العين المؤجرة إيجارًا منتهيًا بالتمليك يتخرج على حكم زكاة المستغلات. وقد عقد الأستاذ الدكتور عبد الله الغفيلي في كتابه: (نوازل الزكاة) مبحثًا عن زكاة مال الإجارة المنتهية بالتمليك، قال فيه: يجب على مالك العين المؤجرة وهو المؤجر زكاة أقساط الأجرة التي يستلمها إذا حال عليها الحول بعد قبضها. اهـ.
وقال الأستاذ الدكتور علي القره داغي في بحثه: (زكاة الأصول المؤجرة المنتهية بالتمليك): المقصود بعنوان البحث هو بيان الحكم الشرعي في الأصول الثابتة المؤجرة المنتهية بالتملك من حيث ثبوت الزكاة فيها أو لا، وإذا ثبتت فهل تكون على المؤجر أو المستأجر في جميع الحالات الواردة في الإجارة المنتهية بالتملك، سواء كان التملك في الأخير عن طريق البيع، أو الهبة ... من الناحية الشرعية، فالأصول المؤجرة مملوكة لمالكها الذي يتحمل ضمان التلف الكلي والجزئي، إلا إذا كان ذلك بسبب تعدي المستأجر، أو تقصيره، أو مخالفته للشروط؛ ولذلك فهي ملك له، وإلا لما جازت العملية التأجيرية برمتها؛ ولذلك فهي من الأصول الثابتة للمؤسسة، وليست من الديون التجارية لها التي عليها. فالأصول المؤجرة ليست دينًا في ذمة المؤجر أو المستأجر، وإنما هي مملوكة ملكية تامة للمؤجر، وملكية ناقصة (ملكية المنفعة) بالنسبة للمستأجر. نعم، الأجور التي تسلمها المؤجر قبل استحقاقها، أي: قبل انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة هي بمثابة دَين، وسماه الشافعية بالدَّين غير المستقر، وفيه خلاف بين الفقهاء: هل تجب على المؤجر زكاة ما قبضه قبل الانتفاع وبعد العقد – كما سبق -. وأما الأجور المستحقة للمؤجر بالعقد والانتفاع التي لم يدفعها المستأجر، فهي ديون مستقرة لصالح المؤجر تطبق عليها قواعد الزكاة في الدَّين ... والتحقيق أن الإجارة المنتهية بالتمليك إجارة ابتداءً، وبيع، أو هبة انتهاء، ولكن بما أن عملية البيع، أو الهبة تتم بعقد منفصل غير مرتبط بعقد الإجارة، فإن أحكام الإجارة تطبق على الأصل المؤجر ما دام عقد الإجارة ساريًا، ثم إذا بيع، أو وهب، فتطبق عليه حينئذ أحكام البيع، أو الهبة. اهـ.
ويبقى النظر في اشتراط البنك على العميل استحقاق كامل أقساط السنة في حال توقفه عن الدفع، وعدم تمكنه من الوفاء بالتزامه الشهري تجاه البنك، فهل هذا الشرط يجعل الأقساط المتبقية من السنة دَينًا مستقرًّا في ذمة العميل، أم لا؟
والظاهر أن ذلك يجعلها دينًا مستقرًّا، وإن كان مؤجلًا؛ لأن أقساط هذه السنة مستحقة على أية حال، سواء أكمل العميل الدفع أم لم يكمل.
وإذا كان كذلك، فهي في حكم الدَّين، ومن ثم؛ فإنها تحسم من المال المزكى، على الراجح، إذا لم يكن للعميل مال آخر فائض عن حاجته الأساسية، مثل السيارات، والمنازل، ونحو ذلك مما يراد للقنية، فيجعله في مقابلة الدين، ويسلم له المال الزكوي، وانظر في ذلك الفتويين: 11338، 319207.
والله أعلم.