الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق وأن بينا حكم إتيان المرأة في دبرها، وأن تحريم ذلك هو قول جماهير السلف والخلف، ومنهم الأئمة الأربعة، فراجع الفتوى رقم: 8130. ومن نقل عنه الذهاب إلى القول بإباحته من السلف طعن بعض العلماء في نسبته إليهم، قال ابن الحاج المالكي في المدخل: أما ما حكي أن قوما من السلف أجازوا ذلك فلا يصلح مع ما ذكر من إضافته إليهم، بل يحمل على سوء ضبط النقلة والاشتباه عليهم؛ فإن الدبر اسم للظهر، قال الله تعالى: ( ويولون الدبر). وقال: ( ومن يولهم يومئذ دبره) أي ظهره، والمرأة تؤتى من قبل ومن دبر... يعني أنها تؤتى من جهة ظهرها في قبلها. اهـ
وعلى فرض ثبوت الخلاف عنهم في ذلك فليس كل خلاف معتبرا عند أهل العلم، وقد أحسن من قال:
وليس كل خلاف جاء معتبراً * إلا خلاف له حظ من النظر.
فتسويغ هذا القائل القول بالجواز بناء على وقوع الخلاف مسلك منكر، وفعل قبيح، وتتبع للرخص، وهو سبيل ذمه السلف، وبينوا أنه حال أهل الزندقة، وراجع الفتوى رقم: 21843. ولا يعتبر بهذا مستحلا للحرام استحلالا يخرج به من الإسلام؛ لأنه له في ذلك نوع تأويل، والواجب أن يعلم ويبين له خطورة مسلكه هذا، وأنه قد يؤدي إلى الزيغ والهلاك، قال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور:63}، قال الإمام أحمد: أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك ، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك.
والله أعلم.