الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن التعبير الصحيح في وصف العبد مع كون فعله مخلوقًا للرب، هو التعبير المستفاد من السنة النبوية: أن العبد "ميسر لما خلق له". فالإنسان ليس مخيرًا ولا مسيرًا بإطلاق، بل فهو ميسر لما خلق له، ففعله وإن كان بقدر الله تعالى؛ إلا أن له فيه مشيئة واختيارًا، وراجع تفصيل هذا في الفتاوى: 318838 - 79824 - 422863 - 436660.
وأما قولك: ( الحسنة من عند الله): فإن الحسنة والسيئة بتقدير الله، فالله تعالى قد علم الحسنة والسيئة، وكتبهما في اللوح المحفوظ، وخلقهما، وشاءهما، وهذا هو القدر، كما قال تعالى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ {النساء:78}، وأما قوله تعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ {النساء:79}، فالمراد به: أن النعم تفضل من الله على العبد، وأن المصائب والمكاره هي بسبب من العبد بعصيانه، وشرور نفسه. وانظر الفتوى: 393214.
وإذا تبين هذا: فإن سؤالك خاطئ من أساسه، فكل ما يفعله العبد من خير، أو غيره؛ ليس بمجرد إلهام من الله فحسب، أو تهيئة للأسباب فقط، بل الله سبحانه قد علم ذلك، وكتبه وشاءه، وخلقه. وهذا هو حقيقة القدر.
والله أعلم.