الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تؤدي ما عليك من الحقوق المالية، كالزكاة، والنفقات الواجبة؛ فلست بخيلا.
قال القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: البخل المذموم في الشرع هو الامتناع من أداء ما أوجب الله تعالى عليه. انتهى.
وقد حثّ الشرع على الاعتدال في الإنفاق، فقال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا {الفرقان:67}.
قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: أي: ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم؛ فلا يكفونهم، بل عدلا خيارا، وخير الأمور أوسطها، لا هذا، ولا هذا. انتهى.
وفي مسند أحمد عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما عال من اقتصد.
قال المناوي -رحمه الله- في فيض القدير: أي ما افتقر من أنفق فيها قصدا، ولم يتجاوز إلى الإسراف، أو ما جار ولا جاوز الحد. والمعنى إذا لم يبذر بالصرف في معصية الله، ولم يقتر فيضيق على عياله، ويمنع حقا وجب عليه شُحًّا وقنوطا من خلف الله.... انتهى.
وإذا كان محمودًا منك أن تحثّ أولادك على الاجتهاد في الكسب الحلال، وأن يأكلوا من عمل أيديهم، فليس محمودًا أن تمتنع من إعانة من لم يقدر على مؤنة الزواج، فقد نصّ بعض أهل العلم على أنّ الواجب على الأب الموسر تزويج الابن إذا كان محتاجا إلى الزواج، وليس له مال أو كسب.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: على الأب إعفاف ابنه إذا كانت عليه نفقته، وكان محتاجا إلى إعفافه، وهو قول بعض أصحاب الشافعي. انتهى.
أمّا تجهيز البنات للزواج؛ فهو على الزوج، وليس واجبا على الأب، خلافا لما هو شائع في عرف بعض البلاد. وراجع الفتوى: 31057.
واعلم أنّ الله تعالى قد وعد من ينفق على أهله بالخلف، والأجر العظيم. ففي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما من يوم يصبح فيه العباد إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا. وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله تعالى: أنفق يا ابن آدم أنفق عليك.
وفي صحيح مسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة ، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك.
والله أعلم.