الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تجهيز بيت الزوجية هل هو تمليك من الأب لابنته أم عارية؟

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيمالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاتهالموضوع هو: نحن المسلمين في فلسطين المحتلة(عام 48) لدينا عادة لا أعرف ما هو حكم الشرع فيها، الموضوع هو: أن الفتاة عندما تقبل على الزواج فنراها تجهّز بيت الزوجية كاملا، وأحيانا ينظر الناس إلى التي لا تجهّز البيت نظرة مختلفة، مما يؤدي إلى الحرج الشديد لديها وقد تحرم من الزواج بسبب أن الأهل لا يملكون المال لشراء جهاز البيت لها، ومن العادات المتبعة أيضا أن الأهل يقومون بحرمان البنات من الميراث (في أغلب الأحيان).سؤالي هو: ما هو رأي الشرع(مع الأدلة إن أمكن) في قضية تجهيز بيت الزوجية؟ وهل نستطيع أن نعتبر أن الأهل الذين يقومون بشراء الجهاز لبناتهم قد أوفوهن حقهن من الميراث إذا كانت النية كذلك (إعطاءها حقها في الميراث)؟ وبارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فتجهيز بيت الزوجية من واجبات الزوج، وليس على الزوجة ولا على أهلها شيء من ذلك، ولو جرى العرف على خلاف ذلك لكان عرفاً فاسداً لأنه يصادم الشرع، والعرف المخالف للشرع لا اعتبار به.
لكن إذا رضي الناس بذلك فيما بينهم، دون إلزام من أحد الطرفين للآخر مع عدم رضاه، فهذا لا مانع منه، لكن إذا رفع الزوج المهر لزوجته فهل له الحق في مطالبتها بالجهاز على قدر ما أعطاها، أم أنها لا تجبر على ذلك؟
والجواب: أن الفقهاء اختلفوا في ذلك:
فمذهب الشافعي: عدم إجبار المرأة على الجهاز ولو قبضت المهر لأنه حق خالص لها، وهو المفهوم من نصوص الحنابلة، فلا تجبر هي ولا غيرها على التجهيز، فقد جاء في منتهى الإرادات: وتملك زوجة بعقد جميع المسمى، ولها نماء معين كدار والتصرف فيه. انتهى.
أما الحنفية: فقد نقل الحصكفي عن الزاهدي في القنية: أنه لو زفت الزوجة إلى الزوج بلا جهاز يليق به فله مطالبة الأب بالنقد، وزاد في البحر عن المنتقى: إلا إذا سكت طويلاً فلا خصومة له، لكن في النهر عن البزازية: الصحيح أنه لا يرجع على الأب بشيء، لأن المال في النكاح غير مقصود. انتهى.
ومفهوم هذا أن الأب هو الذي يجهز، لكن هذا إذا كان هو الذي قبض المهر، فإن كانت الزوجة هي التي قبضته فهي التي تطالب به على القول بوجوب الجهاز، وهو بحسب العرف والعادة.
وقال المالكية: إذا قبضت الحالّ من صداقها قبل بناء الزوج بها فإنه يلزمها أن تتجهز به على العادة من حضر أو بدو، حتى لو كان العرف شراء دار لزمها ذلك، ولا يلزمها أن تتجهز بأزيد منه، ومثل حال الصداق ما إذا عجل لها المؤجل وكان نقداً.
وإن تأخر القبض عن البناء لم يلزمها التجهيز سواء أكان حالاً أم حل، إلا لشرط أو عرف (أي فإنه يلزمها التجهيز للشرط أو العرف).
والراجح من هذا -والله أعلم- أن للزوج مطالبة الزوجة بالجهاز بمقدار ما دفع لها من مهر، أو وليها إن كان هو الذي تسلم المهر.
أما بالنسبة لما يقوم به أهل البنت من تجهيزها، فقد اختلف فيه الفقهاء أيضاً، هل هو تمليك أم أنه على سبيل العارية.
فذهب الشافعية إلى أنها لا تملك الجهاز إلا بتمليك لها بصيغة، كأن يقول: هذا جهاز بنتي فيكون إقرار بالملك لها، وإلا فهو عارية، ويصدق بيمينه إذا ادعاه في حياتها أو بعد موتها، قال النووي في المنهاج: وفي الكافي أيضاً لو زوج بنته بجهاز لم تملكه إلا بإيجاب وقبول، والقول قوله إنه لم يملكها. انتهى.
وقال الحنابلة: إن تجهيز الأب ابنته أو أخته بجهاز إلى بيت زوجها تمليك.
وقال الحنفية: إذا جهز الأب ابنته من ماله دون أن يصرح أن هذا منه هبة لها أو عارية منه لها، وادعى بعد نقل الجهاز إلى دار الزوج أنه كان عارية، وادعت أنه كان تمليكاً بالهبة فالقول قولها إذا كان العرف يشهد بأن هذا الجهاز المتنازع عليه يقدمه الأب لابنته هبة منه.
وإن كان العرف جارياً بأن الأب يقدمه عارية فالقول قول الأب، وإن كان العرف متضارباً فالقول قول الأب إذا كان الجهاز من ماله، أما إذا كان مما قبضه من مهرها فالقول قولها، لأن الشراء وقع لها حيث كانت راضية بذلك، وهو بمنزلة الإذن منها، قال الحصكفي في الدر المحتار مع تنوير الأبصار: (جهز ابنته ثم ادعى أن ما دفعه لها عارية وقالت هو تمليك أو قال الزوج ذلك بعد موتها ليرث منه، وقال الأب)، أو ورثته بعد موته (عارية) فالمعتمد أن (القول للزوج، ولها إذا كان العرف مستمراً أن الأب يدفع مثله جهازاً لا عارية)، وأما (إن مشتركا) كمصر والشام (فالقول للأب) كما لو أكثر مما يجهز به مثلها. انتهى.
وأما المالكية: فللأب عندهم الحق في مطالبة ابنته بما جهزها به، وذلك بثلاثة شروط ذكرها الصعيدي العدوي في حاشيته على شرح الخرشي لمختصر خليل وحاصله: 1- أن يكون دعواه في السنة من يوم البناء لا العقد، فإذا طالب به بعد مرور سنة من الدخول، فلا حق له.
2- أن يكون الجهاز باقياً إلى يوم المطالبة به.
3- أن تكون البنت مجبرة -يعني زوجها الأب جبراً عنها- أو سفيهة -أي ضعيفة العقل لا تدبر أمر نفسها.

والراجح مما سبق من الأقوال -والله أعلم- أن الأمر يخضع للعرف، فإذا كان العرف جارٍ على أن الأب يملكه لابنته عُمل به، وإن كان العرف على خلاف ذلك عمل به، وبناء على ذلك فإنه لا يحق للوالدين ولا غيرهما حرمان البنات من الميراث أبداً لما في ذلك من التعدي الواضح على حدود الله تعالى الذي قال: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً [النساء:7].
فإذا أراد الوالدان استيفاء حقهما من بناتهما، إذا شهد لهما العرف بذلك، فلا يجوز أن يكون ذلك بمنع حقهما في الميراث، ولكن بالمطالبة به حال حياتهما، فإن عجزت البنت عن سداده، أنظرت إلى ميسرة، قال الله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280].
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني