الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفصل في قضايا المنازعات محلُّهُ المحاكمُ الشرعية، أو من ينوب منابها، وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع، وإدراك حقيقة الدعاوي، والبينات، والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك.
وأما المفتي: فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما تُتِيْحُه طريقةُ الاستفتاء، ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا.
وما يمكننا إفادة السائل به إجمالا: هو لفت نظره إلى أن مجرد إذن الوالد لولده بالانتفاع بشقة في عقاره، لا يفيد ملك الولد لها، ما دام الوالد لم يصرح بالهبة، أو التمليك.
ولذلك نقل البناني في حاشيته على شرح الزرقاني، لمختصر خليل، عن كتاب ابن مزين في الهبة: في رجل قال لولده: اجعل في هذا الموضع كرمًا، أو جنانًا، أو ابن فيه دارًا، ففعل الابن ذلك في حياة أبيه، والأب يقول: كرم ابني، أو جنان ابني! أن القاعة لا تُستحَق بذلك، وهي موروثة، وليس للابن إلا قيمة عمله منقوضًا، قال ابن مزين: وقول الرجل في شيء يعرف له: هذا كرم ولدي، أو دابة ولدي، ليس بشيء، ولا يستحق الابن منه شيئًا، إلا بالإشهاد بهبة، أو صدقة، أو بيع. اهـ.
وأما ما حصل من تجهيز السائل للشقة، وتشطيبها، فله قيمته قائما، لا منقوضا، ما دام ذلك قد حصل بعلم الوالد -المالك- وإذنه، على خلاف، وتفصيل بين أهل العلم في ذلك، راجعه في الفتوى: 65439.
وأما مسألة الدين: فالأصل أنه يقضى بمثله، لا بقيمته، ولا يصح ربطه بمستوى الأسعار، أو بمعدل التضخم.
وراجع في ذلك الفتويين: 99163، 114210.
ولكن إذا انخفضت قيمة العملة بشكل كبير، ومجحف، فقد اختلف أهل العلم في تأثير ذلك على أداء الحقوق المالية، وهل تُقضَى بمثلها، أم تراعى قيمتها؟ والراجح هو اعتبار قيمة العملة إذا حدث غبن فاحش، أو انهيار للعملة، يتحقق به ضرر معتبر على صاحب الحق.
وراجع في تفصيل ذلك، وكيفية حسابه، الفتوى: 348040.
والله أعلم.