الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم المباني وغيرها على الأرض المعارة عند استرداد صاحبها لها

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
أنا أكبر إخواني متزوج وعندي أولاد كنت أسكن مع والدي وإخواني في الريف وصلت لي مضايقة لي ولأسرتي وأولادي فطردت عائلتي وبقي الأولاد فاضطررت إلى ترك المنزل والانتقال للمدينة حيث يملك والدي أرضا لم يكتمل البناء فيها فأخذت الإذن من والدي فأذن لي شفويا بالقيام باستكمال تجهيزها للسكن والإيجار من داخلها وخارجها وإيصال خدمات المياه والكهرباء وغيره فأتممت ذلك العمل على مراحل لمدة أربع سنوات واستأذنت والدي في نقل أسرتي والسكن فيه ولقد كلفني ذلك مبلغا كبيرا من المال على حساب راتبي الخاص ومحل تجاري صغير خاص بي وكوني أصبحت أنا الساكن في المنزل كان علي الإشراف والصيانة لباقي الأرضية والمدافعة عنها من آخرين .وبعد مرور فترة من الزمن قمت بتجهيز دكان وتأجيره بغرض تسديد فواتير الكهرباء وغيرها .
وحصل ذات يوم سوء تفاهم مع إخواني بغرض إحراجي أمام والدي وذلك بطلب أخذ مفاتيح الدكان المؤجر من قبلي فرفضت ذلك وطلبت محاسبتي في التكاليف والأغرام والأتعاب المقدمة من جهتي في هذا البناء ولا مانع بعد ذلك من تسليم الكل إلى والدي فقط وبحيث إني أضمن إعطائي مالي وأستطيع بناء منزل لي في أي مكان أخر
مع العلم أن والدي مطلع بأغرامي المقدمة من جهتي .
وبحكم وجود الوالد أتحرج من مطالبته بتكاليف وأغرام العمل الذي قمت به ..حيث وأنا بدأت أخاف من ضياع أموالي واستقرار أولادي مستقبلا أو الدخول بمهاترات مع إخواني سواء بوجود والدي أو بعدم وجوده.
وسؤالي هو كالتالي:----
1)هل يحق لي تمسكي بهذا البناء حتى أضمن سداد حقوقي؟
2)هل يحق لي البناء على ملك والدي بعد إذنه لي ورضاه بذلك؟
3)ما مصير مجمل أعمالي وأتعابي وأموالي المقدمة إذا توفي والدي لا قدر الله؟
أرجو إنارتي في توضيح ما تقدم بشكل واف ....؟
مع إيضاح الوضع القانوني والشرعي الذي بموجبه تحفظ لي حقوقي بوجود والدي وبعدم وجوده...؟
وجزاكم الله خير الجزاء.... وشكرا

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن إذن أبيك لك بالبناء على أرضه دون تصريح بتمليكها لك يعد في العرف عارية، والعارية قسمان: مؤقتة وغير مؤقتة، وبما أنه لم يشترط عليك الانتفاع بالبناء على الأرض مدة معينة فتكون العارية هنا مطلقة، وقد اختلف الفقهاء في حكم قيمة البناء إذا كانت العارية مطلقة، فذهب الأحناف إلى أنه يحق للمالك أن يخرج المستعير من أرضه سواء كانت العارية مطلقة أو مؤقتة. قال مؤلفو الفتاوى الهندية: غير أنها إن كانت مطلقة له أن يجبر المستعير على قلع الغرس ونقض البناء وإذا قلع ونقض لا يضمن المعير شيئا من قيمة الغرس والبناء، كذا في البدائع، فإن كانت الأرض بحال تنقص بذلك إن رضي المعير بالنقص قلعهما، وإن طلب المستعير أن يضمن المعير قيمة البناء والغرس مقلوعا فإنه لا يجبر على ذلك ويكلفه القلع، وإن لم يرض أن يسترد الأرض ناقصة ضمن له قيمة البناء والغرس مقلوعا غير ثابت، ولا يلتفت إلى قول المستعير، كذا في المضمرات. اهـ.

وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن العارية المطلقة للبناء أو الغرس يجوز للمعير استردادها متى شاء، لكن لا يكلف المستعير بقلع الشجر أو هدم البناء إذا كان ذلك سيؤدي إلى نقص قيمته- وهذا هو الغالب- وللمعير في هذه الحالة أخذه مع دفع قيمته قائما لا منقوضا، وله قلعه مع ضمان النقص للمستعير، أما إذا كان ذلك لا يؤدي إلى نقصه فالواجب قلع الغرس وهدم البناء لتعاد الأرض إلى مالكها كما كانت.

قال زكريا الانصاري في روض الطالب وهو شافعي: وما بني وغرس قبل الرجوع من المعير إن لم ينقصه القلع قلع وإن نقصه فلا يقلع مجانا لأنه محترم أي لا يلزم المستعير القلع مجانا ولا يلزمه القلع مجانا ولا التسوية للأرض إلا باشتراط. اهـ.

وقال البهوتي في دقائق أولي النهى وهو حنبلي بعد أن ذكر كلاما قريبا مما نقلناه عن الشافعي: فإن أمكن القلع من غير نقص أجبر عليه مستعير، ومتى لم يمكن قلعه بلا نقص وأباه مستعير فللمعير أخذه أي الغراس أو البناء بأن يتملكه بقيمته قهرا عليه كالشفيع ولو مع دفع مستعير قيمة أرض لأنها أصل والغراس أو البناء تابع.. ولمعير قلعه أي الغراس والبناء، ويضمن المعير نقصه جمعا بين الحقين. اهـ.

وذهب المالكية إلى أنه يجبر المستعير على القلع أو الهدم، وليس له إلا قيمته منقوضا ، فقد نقل المواق في التاج والإكليل عن ابن مزين أنه قال: من قال لابنه اعمل في هذا المكان جنانا أو ابن فيه دارا ففعل الابن في حياة أبيه وصار الأب يقول جنان ابني فإن القاعة لا يملكها الابن بذلك وتورث عن الأب وليس للابن إلا قيمة عمله منقوضا. اهـ.

والفرق بين قيمة البناء منقوضا وقائما يختلف باختلاف الزمان، فقد ينقض البناء ولا ينقص من ثمنه إلا القليل مثل الأبنية التي يمكن فصل أجزائها دون تلف كالأبنية الحديثة الجاهزة ونحو ذلك.

والراجح مما ذكرنا والله أعلم هو ما ذهب إليه علماء المذهبين الشافعي والحنبلي، فيكون للأب وحده حق المطالبة بالأرض على أن يدفع لولده كلفة الأبنية لتي أنشأها بها له وتقدر قيمتها قائمة لا منقوضة، وذلك يقدره أهل الخبرة والمعرفة بذلك، فإن أبى إلا الهدم ضمن النقص الحاصل بسبب ذلك جمعا بين الحقين كما ذكر الحنابلة أي حق المعير والمستعير، وليس لإخوانك مطالبتك بشيء لأن الأرض ملك أبيك ولا شيء لهم فيها، وراجع الفتوى رقم: 32937.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني