الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء

264 . وصححوا استغناء ذي الشهرة عن تزكية ، كـ ( مالك ) نجم السنن      265 . و ( لابن عبد البر ) كل من عني
بحمله العلم ولم يوهن      266 . فإنه عدل بقول المصطفى
(يحمل هذا العلم) لكن خولفا

التالي السابق


أي : ومما تثبت به العدالة : الاستفاضة والشهرة . فمن اشتهرت عدالته بين أهل النقل ، أو نحوهم من أهل العلم ، وشاع الثناء عليه بالثقة والأمانة استغني فيه بذلك عن بينة شاهدة بعدالته تنصيصا .

قال ابن الصلاح : وهذا هو الصحيح في مذهب الشافعي ، وعليه الاعتماد في أصول الفقه . وممن ذكره من أهل الحديث; الخطيب ، ومثل ذلك بمالك ، وشعبة ، [ ص: 331 ] والسفيانين ، والأوزاعي ، والليث ، وابن المبارك ، ووكيع ، وأحمد ، وابن معين ، وابن المديني ، ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر واستقامة الأمر ، فلا يسأل عن عدالة هؤلاء ، وأمثالهم ، وإنما يسأل عن عدالة من خفي أمره على الطالبين . انتهى . وقد سئل أحمد بن حنبل عن إسحاق بن راهويه ، فقال : مثل إسحاق يسأل عنه ؟ ! وسئل ابن معين عن أبي عبيد ، فقال : مثلي يسأل عن أبي عبيد ؟ ! أبو عبيد يسأل عن الناس . وقال القاضي أبو بكر الباقلاني : الشاهد والمخبر إنما يحتاجان إلى التزكية متى لم يكونا مشهورين بالعدالة والرضا ، وكان أمرهما مشكلا ملتبسا ، ومجوزا فيه العدالة وغيرها . قال : والدليل على ذلك أن العلم بظهور سترهما . واشتهار عدالتهما أقوى في النفوس من تعديل واحد واثنين يجوز عليهما الكذب والمحاباة في تعديله ، وأغراض داعية لهما إلى وصفه بغير صفته ، إلى آخر كلامه .

وقولي في وصف مالك : ( نجم السنن ) ، اقتداء بالشافعي حيث يقول : إذا ذكر الأثر فمالك النجم .

وقال ابن عبد البر : كل حامل علم معروف العناية به ، فهو عدل محمول في أمره أبدا على العدالة ، حتى يتبين جرحه . واستدل على ذلك بحديث [ ص: 332 ] رواه من طريق أبي جعفر العقيلي من رواية معان بن رفاعة السلامي ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري ، قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين " . أورده العقيلي في الضعفاء في ترجمة معان بن رفاعة ، وقال : لا يعرف إلا به . ورواه ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل ، وابن عدي في مقدمة الكامل ، وهو مرسل أو معضل ضعيف . وإبراهيم الذي أرسله قال فيه ابن القطان : لا نعرفه البتة في شيء من العلم غير هذا . وفي كتاب العلل للخلال : أن أحمد سئل عن هذا الحديث ، فقيل له : كأنه كلام موضوع ؟ فقال : لا . هو صحيح . فقيل له : ممن سمعته ؟ قال : من غير واحد . قيل له : من هم ؟ قال : حدثني به مسكين ، إلا أنه يقول عن معان ، عن القاسم [ ص: 333 ] بن عبد الرحمن ، قال أحمد : ومعان لا بأس به . ووثقه ابن المديني أيضا . قال ابن القطان : وخفي على أحمد من أمره ما علمه غيره ، ثم ذكر تضعيفه عن ابن معين وأبي حاتم ، والسعدي وابن عدي ، وابن حبان . انتهى . وقد ورد هذا الحديث مرفوعا مسندا من حديث أبي هريرة ، وعبد الله بن عمرو ، وعلي بن أبي طالب ، وابن عمر ، وأبي أمامة ، وجابر بن سمرة - رضي الله عنهم - .

[ ص: 334 ] وكلها ضعيفة . قال ابن عدي : ورواه الثقات عن الوليد بن مسلم ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري ، قال : حدثنا الثقة من أصحابنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فذكره . وممن وافق ابن عبد البر على قوله هذا من المتأخرين : أبو عبد الله بن المواق ، فقال في كتابه بغية النقاد : وأهل العلم محمولون على العدالة حتى يظهر منهم خلاف ذلك .

وقوله : ( لكن خولفا ) ، أي : خولف ابن عبد البر في اختياره هذا وفي استدلاله بهذا الحديث ، أما اختياره فقال ابن الصلاح : فيما قاله اتساع غير مرضي . وأما استدلاله بهذا الحديث ، فلا يصح من وجهين : [ ص: 335 ] أحدهما : إرساله وضعفه .

والثاني : أنه إنما يصح الاستدلال به ، أن لو كان خبرا ، ولا يصح حمله على الخبر لوجود من يحمل العلم ، وهو غير عدل ، وغير ثقة ، فلم يبق له محمل إلا على الأمر . ومعناه أنه أمر الثقات بحمل العلم; لأن العلم إنما يقبل عن الثقات . والدليل على أنه للأمر : أن في بعض طرق أبي حاتم : "ليحمل هذا العلم" ، بلام للأمر .




الخدمات العلمية