الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        السبب الثالث : الحاجة إلى الماء ، لعطش ونحوه . فيه مسائل :

                                                                                                                                                                        أحدها : إذا وجد ماء واحتاج إليه لعطشه ، أو عطش رفيقه ، أو حيوان محترم في الحال ، أو في المآل بعوض ، أو بغيره ، جاز التيمم . وذكر إمام الحرمين ، والغزالي : ترددا في التزود لعطش رفيقه . والمذهب : القطع بجوازه . وضبط الحاجة يقاس بما سيأتي في ( المرض المبيح ) إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        وللعطشان أن يأخذه من صاحبه قهرا ، إذا لم يبذله .

                                                                                                                                                                        وغير المحترم من الحيوان ، هو الحربي ، والمرتد ، والخنزير ، والكلب العقور ، وسائر الفواسق الخمس ، وما في معناها . ولا يكلف أن يتوضأ بالماء ، ثم يجمعه ويشربه على المذهب . قال أبو علي الزجاجي - بضم الزاي - والماوردي وآخرون : من كان معه ماءان : طاهر ، ونجس ، وعطش ، توضأ بالطاهر ، وشرب النجس .

                                                                                                                                                                        قلت : ذكر الشاشي كلام الماوردي هذا ، ثم أنكره ، واختار : أنه يشرب الطاهر ويتيمم ، وهذا هو الصحيح ، وهذا الخلاف فيما بعد دخول الوقت ، أما قبله ، فيشرب الطاهر بلا خلاف . صرح به الماوردي وغيره . قال المتولي : ولو كان يرجو وجود الماء في غده ولا يتحققه ، فهل له التزود ؟ وجهان . الأصح : جوازه . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        المسألة الثانية : قال الشافعي - رحمه الله - : إذا مات رجل له ماء ورفقته عطاش ، شربوه ويمموه وأدوا ثمنه في ميراثه . وصورة المسألة : أنهم رجعوا إلى البلد ، وأراد بالثمن القيمة ، موضع الإتلاف ووقته . وقيل : أراد مثل القيمة .

                                                                                                                                                                        [ ص: 101 ] الثالثة : إذا أوصى ، أو وكل بصرف ماء إلى أولى الناس به ، فحضر ميت ، وجنب ، وحائض ، ومن على بدنه نجاسة ، ومحدث ، فالميت وصاحب النجاسة أولاهم ، والميت أولاهما على الأصح . فلو كان على الميت أيضا نجاسة ، فهو أولى قطعا . ولا يشترط لاستحقاق الميت قبول وارث ، كما لو تطوع إنسان بكفنه ، وفيه وجه شاذ : أنه يشترط . ولو مات اثنان ، أحدهما قبل الآخر ، وكان قبل موتهما ماء يكفي أحدهما ، فالأول أولى . فإن ماتا معا ، أو وجد الماء بعد موتهما ، فأفضلهما أولى ، فإن استويا أقرع بينهما . أما إذا اجتمع الجنب والحائض ، فثلاثة أوجه .

                                                                                                                                                                        الأصح : الحائض أولى . والثاني : الجنب . والثالث : سواء . فعلى هذا ، إن طلب أحدهما القسمة ، والآخر القرعة ، فإن لم نوجب استعمال الناقص ، أقرع . وإن أوجبناه ، أقرع على الأصح . وعلى الثاني : يقسم . وإن اتفقا على القسمة ، جاز إن أوجبنا استعمال الناقص ، وإلا فلا . ولو اجتمع جنب ومحدث ، فإن كان الماء يكفي للوضوء دون الغسل ، فالمحدث أولى إن لم نوجب استعمال الناقص ، وإن أوجبناه ، فأوجه . الأصح : المحدث أولى . والثاني : الجنب . والثالث : سواء . وإن لم يكف واحدا منهما ، فالجنب أولى إن أوجبنا استعماله ، وإلا فهو كالمعدوم . وإن كفى وفضل عن الوضوء شيء دون الغسل ، فالجنب أولى إن لم نوجب استعمال الناقص ، وإن أوجبناه . فعلى الأوجه الثلاثة . أصحها : الجنب أولى . وإن فضل عن كل واحد ، أو لم يفضل عن واحد ، أو كفى الجنب دون المحدث ، فالجنب أولى قطعا . ولو انتهى هؤلاء المحتاجون إلى ماء مباح ، واستووا في إحرازه وإثبات اليد عليه ، ملكوه بالسوية ، ولا يجوز لأحد أن يبذل نصيبه لغيره ، وإن كان أحوج منه وإن كان ناقصا ، إلا إذا قلنا : لا يجب استعمال الناقص . كذا قاله إمام الحرمين ، والغزالي . وقال أكثر الأصحاب : إن المستحب تقديم الأحوج فالأحوج كالوصية ، ولا منافاة بين الكلامين . وأراد الأصحاب : أن المستحب تقديم الأحوج ، وأنهم لو تنازعوا ، كان كما قاله [ ص: 102 ] إمام الحرمين . ويمكن أن ينازعهم في الاستحباب ويقول : لا يجوز العدول عن ماء يتمكن منه للطهارة .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية