الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6687 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا يحيى بن آدم حدثنا أبو بكر بن عياش حدثنا أبو حصين حدثنا أبو مريم عبد الله بن زياد الأسدي قال لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بعث علي عمار بن ياسر وحسن بن علي فقدما علينا الكوفة فصعدا المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه وقام عمار أسفل من الحسن فاجتمعنا إليه فسمعت عمارا يقول إن عائشة قد سارت إلى البصرة و والله إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        حديث عمار في حق عائشة أخرجه من وجهين مطولا ومختصرا .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( حدثنا عبد الله بن محمد ) هو الجعفي المسندي ، وأبو حصين بفتح أوله هو عثمان بن عاصم ، وأبو مريم المذكور أسدي كوفي هو وجميع رواة الإسناد إلا شيخه وشيخ البخاري ، وقد وثق أبا مريم المذكور العجلي والدارقطني ، وما له في البخاري إلا هذا الحديث .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة ) ذكر عمر بن شبة بسند جيد أنهم توجهوا من مكة بعد أن أهلت السنة ، وذكر بسند له آخر أن الوقعة بينهم كانت في النصف من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين ، وذكر من رواية المدائني عن العلاء أبي محمد عن أبيه قال : جاء رجل إلى علي وهو بالزاوية فقال : علام تقاتل هؤلاء ؟ قال : على الحق ، قال : فإنهم يقولون إنهم على الحق . قال : أقاتلهم على الخروج من الجماعة ونكث البيعة . وأخرج الطبري من طريق عاصم بن كليب الجرمي عن أبيه قال : رأيت في زمن عثمان أن رجلا أميرا مرض وعند رأسه امرأة والناس يريدونه فلو نهتهم المرأة لانتهوا ولكنها لم تفعل فقتلوه . ثم غزوت تلك السنة فبلغنا قتل عثمان ، فلما رجعنا من غزاتنا وانتهينا إلى البصرة قيل لنا : هذا طلحة والزبير وعائشة فتعجب الناس وسألوهم عن سبب مسيرهم فذكروا أنهم خرجوا غضبا لعثمان وتوبة مما صنعوا من خذلانه . وقالت عائشة : غضبنا لكم على عثمان في ثلاث إمارة الفتى وضرب السوط والعصا فما أنصفناه إن لم نغضب له في ثلاث : حرمة الدم والشهر والبلد . قال فسرت أنا ورجلان من قومي إلى علي وسلمنا عليه وسألناه فقال : عدا الناس على هذا الرجل فقتلوه وأنا معتزل عنهم ثم ولوني ولولا الخشية على الدين لم أجبهم ، ثم استأذنني الزبير وطلحة في العمرة فأخذت عليهما العهود وأذنت لهما فعرضا أم المؤمنين لما لا يصلح لها فبلغني أمرهم فخشيت أن ينفتق في الإسلام فتق فأتبعتهم ، فقال أصحابه : والله ما نريد قتالهم إلا أن يقاتلوا ، [ ص: 62 ] وما خرجنا إلا للإصلاح . فذكر القصة وفيها أن أول ما وقعت الحرب أن صبيان العسكرين تسابوا ثم تراموا ثم تبعهم العبيد ثم السفهاء فنشبت الحرب ، وكانوا خندقوا على البصرة فقتل قوم وجرح آخرون ، وغلب أصحاب علي ونادى مناديه : لا تتبعوا مدبرا ولا تجهزوا جريحا ، ولا تدخلوا دار أحد ، ثم جمع الناس وبايعهم واستعمل ابن عباس على البصرة ورجع إلى الكوفة . وأخرج ابن أبي شيبة بسند جيد عن عبد الرحمن بن أبزى قال : انتهى . عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي إلى عائشة يوم الجمل وهي في الهودج فقال : يا أم المؤمنين أتعلمين أني أتيتك عندما قتل عثمان فقلت ما تأمريني ؟ فقلت الزم عليا ؟ فسكتت . فقال : اعقروا الجمل فعقروه ، فنزلت أنا وأخوها محمد فاحتملنا هودجها فوضعناه بين يدي علي ، فأمر بها فأدخلت بيتا . وأخرج أيضا بسند صحيح عن زيد بن وهب قال فكف علي يده حتى بدءوه بالقتال فقاتلهم بعد الظهر فما غربت الشمس وحول الجمل أحد ، فقال علي : لا تتمموا جريحا ولا تقتلوا مدبرا ومن أغلق بابه وألقى سلاحه فهو آمن . وأخرج الشافعي من رواية علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال : دخلت على مروان بن الحكم فقال : ما رأيت أحدا أكرم غلبة من أبيك - يعني عليا - ما هو إلا أن ولينا يوم الجمل فنادى مناديه : لا يقتل مدبر ولا يذفف على جريح . وأخرج الطبري وابن أبي شيبة وإسحاق من طريق عمرو بن جاوان عن الأحنف قال : حججت سنة قتل عثمان فدخلت المدينة ، فذكر كلام عثمان في تذكيرهم بمناقبه ، وقد تقدم في " باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما " ثم ذكر اعتزاله الطائفتين قال : ثم التقوا فكان أول قتيل طلحة ورجع الزبير فقتل . وأخرج الطبري بسند صحيح عن علقمة قال قلت للأشتر : قد كنت كارها لقتل عثمان فكيف قاتلت يوم الجمل ؟ قال : إن هؤلاء بايعوا عليا ثم نكثوا عهده ، وكان الزبير هو الذي حرك عائشة على الخروج فدعوت الله أن يكفينيه ، فلقيني كفه بكفه فما رضيت لشدة ساعدي أن قمت في الركاب فضربته على رأسه ضربة فصرعته ، فذكر القصة في أنهما سلما .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( بعث علي عمار بن ياسر وحسن بن علي فقدما علينا الكوفة ) ذكر عمر بن شبة والطبري سبب ذلك بسندهما إلى ابن أبي ليلى قال : كان علي أقر أبا موسى على إمرة الكوفة ، فلما خرج من المدينة أرسل هاشم بن عتبة بن أبي وقاص إليه أن أنهض من قبلك من المسلمين وكن من أعواني على الحق ، فاستشار أبو موسى السائب بن مالك الأشعري فقال : اتبع ما أمرك به ، قال : إني لا أرى ذلك ، وأخذ في تخذيل الناس عن النهوض ، فكتب هاشم إلى علي بذلك وبعث بكتابه مع عقل بن خليفة الطائي ، فبعث علي عمار بن ياسر والحسن بن علي يستنفران الناس ، وأمر قرظة بن كعب على الكوفة ، فلما قرأ كتابه على أبي موسى اعتزل ودخل الحسن وعمار المسجد . وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن زيد بن وهب قال : أقبل طلحة والزبير حتى نزلا البصرة فقبضا على عامل علي عليها ابن حنيف ، وأقبل علي حتى نزل بذي قار ، فأرسل عبد الله بن عباس إلى الكوفة فأبطأوا عليه ، فأرسل إليهم عمارا فخرجوا إليه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : فصعد المنبر ، فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه وقام عمار أسفل من الحسن ، فاجتمعنا إليه فسمعت عمارا يقول ) زاد الإسماعيلي من وجه آخر عن أبي بكر بن عياش : صعد عمار المنبر فحض الناس في الخروج إلى قتال عائشة " وفي رواية إسحاق ابن راهويه عن يحيى بن آدم بالسند المذكور " فقال عمار : إن أمير المؤمنين بعثنا إليكم لنستنفركم ، فإن أمنا قد سارت إلى البصرة . وعند عمر بن شبة عن حبان بن بشر عن يحيى بن آدم في حديث الباب : فكان عمار يخطب والحسن ساكت . ووقع في رواية ابن أبي ليلى [ ص: 63 ] في القصة المذكورة : فقال الحسن : إن عليا يقول إني أذكر الله رجلا رعى لله حقا إلا نفر ، فإن كنت مظلوما أعانني وإن كنت ظالما أخذلني ، والله إن طلحة والزبير لأول من بايعني ثم نكثا ، ولم أستأثر بمال ولا بدلت حكما " قال فخرج إليه اثنا عشر ألف رجل .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( إن عائشة قد سارت إلى البصرة ، ووالله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة ; ولكن الله ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي ) في رواية إسحاق : ليعلم أنطيعه أم إياها . وفي رواية الإسماعيلي من طريق أحمد بن يونس عن أبي بكر بن عياش بعد قوله قد سارت إلى البصرة : ووالله إني لأقول لكم هذا ووالله إنها لزوجة نبيكم . زاد عمر بن شبة في روايته : وأن أمير المؤمنين بعثنا إليكم وهو بذي قار . ووقع عند ابن أبي شيبة من طريق شمر بن عطية عن عبد الله بن زياد قال : قال عمار إن أمنا سارت مسيرها هذا ، وإنها والله زوج محمد صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ، ولكن الله ابتلانا بها ليعلم إياه نطيع أو إياها " ومراد عمار بذلك أن الصواب في تلك القصة كان مع علي ، وأن عائشة مع ذلك لم تخرج بذلك عن الإسلام ولا أن تكون زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة . فكان ذلك يعد من إنصاف عمار وشدة ورعه وتحريه قول الحق . وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن أبي يزيد المديني قال : قال عمار بن ياسر لعائشة لما فرغوا من الجمل : ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عهد إليكم " يشير إلى قوله تعالى وقرن في بيوتكن فقالت : أبو اليقظان ؟ قال : نعم . قالت : والله إنك ما علمت لقوال بالحق . قال : الحمد لله الذي قضى لي على لسانك . وقوله " ليعلم إياه تطيعون أم هي " قال بعض الشراح : الضمير في إياه لعلي ، والمناسب أن يقال أم إياها لا هي ، وأجاب الكرماني بأن الضمائر يقوم بعضها مقام بعض انتهى وهو على بعض الآراء . وقد وقع في رواية إسحاق ابن راهويه في مسنده عن يحيى بن آدم بسند حديث الباب " ولكن الله ابتلانا بها ليعلم أنطيعه أم إياها " فظهر أن ذلك من تصرف الرواة وأما قوله إن الضمير في إياه لعلي فالظاهر خلافه ، وأنه لله تعالى ، والمراد إظهار المعلوم كما في نظائره .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية