الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وقال خليفة : فيها عزل عثمان عن مصر عمرا وولى عليها عبد الله [ ص: 171 ] بن سعد ، فغزا إفريقية ومعه عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن الزبير ، فالتقى هو وجرجير بسبيطلة على يومين من القيروان ، وكان جرجير في مائتي ألف مقاتل ، وقيل في مائة وعشرين ألفا ، وكان المسلمون في عشرين ألفا .

                                                                                      قال مصعب بن عبد الله : حدثنا أبي والزبير بن خبيب ، قالا : قال ابن الزبير : هجم علينا جرجير في معسكرنا في عشرين ومائة ألف ، فأحاطوا بنا ونحن في عشرين ألفا . واختلف الناس على عبد الله بن أبي سرح ، فدخل فسطاطا له فخلا فيه ، ورأيت أنا غرة من جرجير بصرت به خلف عساكره على برذون أشهب معه جاريتان تظللان عليه بريش الطواويس ، وبينه وبين جنده أرض بيضاء ليس بها أحد ، فخرجت إلى ابن أبي سرح فندب لي الناس ، فاخترت منهم ثلاثين فارسا وقلت لسائرهم : البثوا على مصافكم ، وحملت في الوجه الذي رأيت فيه جرجير وقلت لأصحابي : احموا لي ظهري ، فوالله ما نشبت أن خرقت الصف إليه فخرجت صادما له ، وما يحسب هو ولا أصحابه إلا أني رسول إليه ، حتى دنوت منه فعرف الشر ، فوثب على برذونه وولى مبادرا ، فأدركته ثم طعنته ، فسقط ، ثم دففت عليه بالسيف ، ونصبت رأسه على رمح وكبرت ، وحمل المسلمون ، فارفض أصحابه من كل وجه ، وركبنا أكتافهم .

                                                                                      وقال خليفة : حدثنا من سمع ابن لهيعة يقول : حدثنا أبو الأسود ، قال : حدثني أبو إدريس أنه غزا مع عبد الله بن سعد إفريقية فافتتحها ، فأصاب كل إنسان ألف دينار .

                                                                                      وقال غيره : سبوا وغنموا ، فبلغ سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار ، [ ص: 172 ] وفتح الله إفريقية سهلها وجبلها ، ثم اجتمعوا على الإسلام وحسنت طاعتهم .

                                                                                      وقسم ابن أبي سرح ما أفاء الله عليهم وأخذ خمس الخمس بأمر عثمان ، وبعث إليه بأربعة أخماسه ، وضرب فسطاطا في موضع القيروان ووفدوا وفدا ، فشكوا عبد الله فيما أخذ ، فقال : أنا نفلته ، وذلك إليكم الآن ، فإن رضيتم فقد جاز ، وإن سخطتم فهو رد ، قالوا : إنا نسخطه . قال : فهو رد ، وكتب إلى عبد الله برد ذلك واستصلاحهم . قالوا : فاعزله عنا . فكتب إليه أن استخلف على إفريقية رجلا ترضاه واقسم ما نفلتك فإنهم قد سخطوا . فرجع عبد الله بن أبي سرح إلى مصر ، وقد فتح الله إفريقية ، فما زال أهلها أسمع الناس وأطوعهم إلى زمان هشام بن عبد الملك .

                                                                                      وروى سيف بن عمر ، عن أشياخه ، أن عثمان أرسل عبد الله بن نافع بن الحصين ، وعبد الله بن نافع الفهري من فورهما ذلك إلى الأندلس ، فأتياها من قبل البحر ، وكتب عثمان إلى من انتدب إلى الأندلس : أما بعد ؛ فإن القسطنطينية إنما تفتح من قبل الأندلس ، وإنكم إن افتتحتموها كنتم شركاء في فتحها في الأجر ، والسلام . فعن كعب ، قال : يعبر البحر إلى الأندلس أقوام يفتحونها يعرفون بنورهم يوم القيامة ، قال : فخرجوا إليها فأتوها من برها وبحرها ، ففتحها الله على المسلمين ، وزاد في سلطان المسلمين مثل إفريقية ، ولم يزل أمر الأندلس كأمر إفريقية ، حتى أمر هشام فمنع البربر أرضهم .

                                                                                      ولما نزع عثمان عمرا عن مصر غضب وحقد على عثمان ، فوجه عبد الله بن سعد فأمره أن يمضي إلى إفريقية ، وندب عثمان الناس معه [ ص: 173 ] إلى إفريقية ، فخرج إليها في عشرة آلاف ، وصالح ابن سعد أهل إفريقية على ألفي ألف دينار وخمسمائة ألف دينار . وبعث ملك الروم من قسطنطينية أن يؤخذ من أهل إفريقية ثلاثمائة قنطار ذهبا ، كما أخذ منهم عبد الله بن سعد ، فقالوا : ما عندنا مال نعطيه ، وما كان بأيدينا فقد افتدينا به ، فأما الملك فإنه سيدنا فليأخذ ما كان له عندنا من جائرة كما كنا نعطيه كل عام ، فلما رأى ذلك منهم الرسول أمر بحبسهم ، فبعثوا إلى قوم من أصحابهم فقدموا عليهم فكسروا السجن وخرجوا .

                                                                                      وعن يزيد بن أبي حبيب ، قال : كتب عبد الله بن سعد إلى عثمان يقول : إن عمرو بن العاص كسر الخراج ، وكتب عمرو : إن عبد الله بن سعد أفسد علي مكيدة الحرب ، فكتب عثمان إلى عمرو : انصرف ، وولي عبد الله الخراج والجند ، فقدم عمرو مغضبا ، فدخل على عثمان وعليه جبة له يمانية محشوة قطنا ، فقال له عثمان : ما حشو جبتك ؟ قال : عمرو ، قال : قد علمت أن حشوها عمرو ، ولم أرد هذا ، إنما سألتك أقطن هو أم غيره ؟

                                                                                      وبعث عبد الله بن سعد إلى عثمان مالا من مصر وحشد فيه ، فدخل عمرو ، فقال عثمان : هل تعلم أن تلك اللقاح درت بعدك ؟ قال عمرو : إن فصالها هلكت .

                                                                                      وفيها حج عثمان بالناس .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية