الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      مجالد : عن الشعبي ، قال : أرسلت أم حبيبة إلى أهل عثمان : أرسلوا إلي بثياب عثمان التي قتل فيها ، فبعثوا بقميصه بالدم وبالخصلة التي نتفت من لحيته ، ودعت النعمان بن بشير ، فبعثت به إلى معاوية ، فصعد معاوية المنبر ، ونشر القميص ، وجمع الناس ، ودعا إلى الطلب بدمه ، فقام أهل الشام ، وقالوا : هو ابن عمك وأنت وليه ونحن الطالبون معك بدمه .

                                                                                      ابن شوذب : عن مطر الوراق ، عن زهدم الجرمي ، قال : كنا في سمر ابن عباس ، فقال : لما كان من أمر هذا الرجل ما كان ، يعني عثمان ، قلت لعلي : اعتزل الناس ، فلو كنت في جحر لطلبت حتى تستخرج ، فعصاني ، وايم الله ليتأمرن عليكم معاوية ، وذلك أن الله يقول : ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا .

                                                                                      [ ص: 140 ] يونس : عن ابن شهاب ، قال : لما بلغ معاوية هزيمة يوم الجمل وظهور علي ، دعا أهل الشام للقتال معه على الشورى والطلب بدم عثمان ، فبايعوه على ذلك أميرا غير خليفة .

                                                                                      وفي كتاب صفين ليحيى بن سليمان الجعفي بإسناد له : أن معاوية قال لجرير البجلي لما قدم عليه رسولا بعد محاورة طويلة : اكتب إلى علي أن يجعل لي الشام ، وأنا أبايع له ما عاش ، فكتب بذلك إلى علي ، ففشا كتابه ، فكتب إليه الوليد بن عقبة :

                                                                                      معاوي إن الشام شامك فاعتصم بشامك لا تدخل عليك الأفاعيا     وحام عليها بالقنابل والقنا
                                                                                      ولا تك مخشوش الذراعين وانيا     فإن عليا ناظر ما تجيبه
                                                                                      فأهد له حربا تشيب النواصيا



                                                                                      ثم قال الجعفي : حدثنا يعلى بن عبيد ، عن أبيه ، قال : جاء أبو مسلم الخولاني وأناس إلى معاوية ، وقالوا : أنت تنازع عليا أم أنت مثله ؟ فقال : لا والله ، إني لأعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر مني ، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما ، وأنا ابن عمه والطالب بدمه ، فائتوه فقولوا له ، فليدفع إلي قتلة عثمان ، وأسلم له . فأتوا عليا ، فكلموه ، فلم يدفعهم إليه .

                                                                                      [ ص: 141 ] عمرو بن شمر : عن جابر الجعفي ، عن الشعبي ، أو أبي جعفر ، قال : لما ظهر أمر معاوية ، دعا علي رجلا ، وأمره أن يسير إلى دمشق ، فيعقل راحلته على باب المسجد ، ويدخل بهيئة السفر ، ففعل . وكان وصاه . فسأله أهل الشام ، فقال : من العراق . قالوا : وما وراءك ؟ قال : تركت عليا قد حشد إليكم ، ونهد في أهل العراق . فبلغ معاوية ، فبعث أبا الأعور يحقق أمره فأتاه ، فأخبره ، فنودي : الصلاة جامعة . وامتلأ المسجد ، فصعد معاوية وتشهد ، ثم قال : إن عليا قد نهد إليكم ، فما الرأي ؟ فضرب الناس بأذقانهم على صدورهم ، ولم يرفع أحد إليه طرفه ، فقام ذو الكلاع الحميري فقال : عليك الرأي ، وعلينا أمفعال ، يعني الفعال ، فنزل معاوية ونودي : من تخلف عن معسكره بعد ثلاث أحل بنفسه ، فرد رسول علي ، حتى وافاه ، فأخبره ، فأمر ، فنودي : الصلاة جامعة . واجتمع الناس ، فصعد المنبر ، وقال : إن رسولي قد قدم ، وأخبرني أن معاوية قد نهد إليكم ، فما الرأي ؟ فأضب أهل المسجد يقولون : الرأي كذا ، الرأي كذا ، فلم يفهم علي من كثرة من تكلم ، فنزل وهو يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ذهب بها ابن أكالة الأكباد .

                                                                                      الأعمش : عمن رأى عليا يوم صفين يصفق بيديه ، ويعض عليها ، ويقول : يا عجبا ! أعصى ويطاع معاوية . [ ص: 142 ] أبو حاتم السجستاني : عن أبي عبيدة ، قال : قال معاوية : لقد وضعت رجلي في الركاب ، وهممت يوم صفين بالهزيمة ، فما منعني إلا قول ابن الإطنابة :

                                                                                      أبت لي عفتي وأبى بلائي     وأخذي الحمد بالثمن الربيح
                                                                                      وإكراهي على المكروه نفسي     وضربي هامة البطل المشيح
                                                                                      وقولي كلما جشأت وجاشت     مكانك تحمدي أو تستريحي



                                                                                      قال الأوزاعي : سأل رجل الحسن البصري عن علي وعثمان ، فقال : كانت لهذا سابقة ولهذا سابقة ، ولهذا قرابة ولهذا قرابة ، وابتلي هذا ، وعوفي هذا . فسأله عن علي ومعاوية ، فقال : كان لهذا قرابة ولهذا قرابة ، ولهذا سابقة وليس لهذا سابقة ، وابتليا جميعا .

                                                                                      قلت : قتل بين الفريقين نحو من ستين ألفا . وقيل : سبعون ألفا . وقتل عمار مع علي ، وتبين للناس قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تقتله الفئة الباغية . [ ص: 143 ] الفسوي : حدثنا حجاج بن أبي منيع ، حدثنا جدي ، عن الزهري ، عن أنس قال : تعاهد ثلاثة من أهل العراق على قتل معاوية ، وعمرو بن العاص ، وحبيب بن مسلمة . وأقبلوا بعد بيعة معاوية بالخلافة حتى قدموا إيلياء ، فصلوا من السحر في المسجد ، فلما خرج معاوية لصلاة الفجر ، كبر ، فلما سجد انبطح أحدهم على ظهر الحرسي الساجد بينه وبين معاوية حتى طعن معاوية في مأكمته . فانصرف معاوية ، وقال : أتموا صلاتكم ، وأمسك الرجل ، فقال الطبيب : إن لم يكن الخنجر مسموما ، فلا بأس عليك . فأعد الطبيب عقاقيره ، ثم لحس الخنجر ، فلم يجده مسموما ، فكبر ، وكبر من عنده وقيل : ليس بأمير المؤمنين بأس .

                                                                                      قلت : هذه المرة غير المرة التي جرح فيها وقتما قتل علي - رضي الله عنه - فإن تلك فلق أليته وسقي أدوية خلصته من السم ، لكن قطع نسله .

                                                                                      أيوب بن جابر : عن أبي إسحاق ، عن الأسود ; قلت لعائشة : ألا تعجبين لرجل من الطلقاء ينازع أصحاب محمد في الخلافة ؟ قالت : وما يعجب ؟ هو سلطان الله يؤتيه البر والفاجر . وقد ملك فرعون مصر أربعمائة سنة .

                                                                                      زيد بن أبي الزرقاء : عن جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم [ ص: 144 ] قال : قال علي : قتلاي وقتلى معاوية في الجنة .

                                                                                      صدقة بن خالد : عن زيد بن واقد ، عن أبيه ، عن أشياخهم : أن معاوية لما بويع ، وبلغه قتال علي أهل النهروان كاتب وجوه من معه مثل الأشعث ، ومناهم وبذل لهم حتى مالوا إلى معاوية ، وتثاقلوا عن المسير مع علي ، فكان يقول فلا يلتفت إلى قوله . وكان معاوية يقول : لقد حاربت عليا بعد صفين بغير جيش ولا عتاد .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية