الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      روى بقية ، عن ابن حذيم ، عن وهب بن أبان القرشي ; أن ابن عمر خرج ، فبينما هو يسير ، إذا أسد على الطريق قد حبس الناس ، فاستخف ابن عمر راحلته ، ونزل إلى الأسد ، فعرك أذنه ، وأخره عن الطريق ؟ وقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : لو لم يخف ابن آدم إلا الله لم يسلط عليه غيره .

                                                                                      [ ص: 223 ] لم يصح هذا .

                                                                                      أسامة بن زيد : عن عبد الله بن واقد ، قال : رأيت ابن عمر يصلي ، فلو رأيته رأيته مقلوليا ورأيته يفت المسك في الدهن يدهن به .

                                                                                      عبد الملك بن أبي جميلة ، عن عبد الله بن موهب : أن عثمان قال لابن عمر : اذهب ، فاقض بين الناس ، قال : أو تعفيني من ذلك ! قال : فما تكره من ذلك وقد كان أبوك يقضي ؟ قال : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من كان قاضيا ، فقضى بالعدل ، فبالحري أن ينفلت كفافا . فما أرجو بعد ذلك ؟ ! .

                                                                                      السري بن يحيى : عن زيد بن أسلم ، عن مجاهد ، قال : قال ابن عمر : لقد أعطيت من الجماع شيئا ما أعلم أحدا أعطيه إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      تفرد به يحيى بن عباد عنه .

                                                                                      أبو أسامة : حدثنا عمر بن حمزة : أخبرني سالم ، عن ابن عمر ، قال : إني لأظن قسم لي منه ما لم يقسم لأحد إلا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقيل : كان ابن عمر يفطر أول شيء على الوطء .

                                                                                      ليث بن أبي سليم : عن نافع ، قال : لما قتل عثمان ، جاء علي إلى [ ص: 224 ] ابن عمر ، فقال : إنك محبوب إلى الناس ، فسر إلى الشام ، فقال : بقرابتي وصحبتي والرحم التي بيننا . قال : فلم يعاوده .

                                                                                      ابن عيينة : عن عمر بن نافع ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، قال : بعث إلي علي ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ! إنك رجل مطاع في أهل الشام ، فسر فقد أمرتك عليهم . فقلت : أذكرك الله ، وقرابتي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحبتي إياه ، إلا ما أعفيتني ، فأبى علي . فاستعنت عليه بحفصة ، فأبى . فخرجت ليلا إلى مكة ، فقيل له : إنه قد خرج إلى الشام . فبعث في أثري ، فجعل الرجل يأتي المربد ، فيخطم بعيره بعمامته ليدركني . قال : فأرسلت حفصة : إنه لم يخرج إلى الشام ، إنما خرج إلى مكة . فسكن .

                                                                                      الأسود بن شيبان : عن خالد بن سمير ، قال : هرب موسى بن طلحة من المختار ، فقال : رحم الله ابن عمر ! إني لأحسبه على العهد الأول لم يتغير ، والله ما استفزته قريش . فقلت في نفسي : هذا يزري على أبيه في مقتله . وكان علي غدا على ابن عمر ، فقال : هذه كتبنا ، فاركب بها إلى الشام ، قال : أنشدك الله والإسلام . قال : والله لتركبن . قال : أذكرك الله واليوم الآخر . قال : لتركبن والله طائعا أو كارها . قال : فهرب إلى مكة .

                                                                                      العوام بن حوشب : عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ابن عمر : قال يوم دومة جندل : جاء معاوية على بختي عظيم طويل ، فقال : ومن الذي يطمع في هذا الأمر ويمد إليه عنقه ؟ فما حدثت نفسي بالدنيا إلا يومئذ . هممت أن أقول : يطمع فيه من ضربك وأباك عليه ، ثم ذكرت الجنة ونعيمها ، فأعرضت عنه .

                                                                                      [ ص: 225 ] حماد بن زيد : عن أيوب ، عن نافع ; أن معاوية بعث إلى ابن عمر بمائة ألف ، فلما أراد أن يبايع ليزيد ، قال : أرى ذاك أراد ، إن ديني عندي إذا لرخيص .

                                                                                      وقال محمد بن المنكدر : بويع يزيد ، فقال ابن عمر لما بلغه : إن كان خيرا رضينا ، وإن كان بلاء صبرنا .

                                                                                      ابن علية : عن ابن عون ، عن نافع ، قال : حلف معاوية على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقتلن ابن عمر ، يعني وكان ابن عمر بمكة . فجاء إليه عبد الله بن صفوان ، فدخلا بيتا ، وكنت على الباب ، فجعل ابن صفوان يقول : أفتتركه حتى يقتلك ؟ ! والله لو لم يكن إلا أنا وأهل بيتي ، لقاتلته دونك . فقال : ألا أصير في حرم الله ؟ وسمعت نحيبه مرتين ، فلما دنا معاوية تلقاه ابن صفوان ، فقال : إيها جئت لتقتل ابن عمر . قال : والله لا أقتله .

                                                                                      مسعر : عن أبي حصين : قال معاوية : من أحق بهذا الأمر منا ؟ وابن عمر شاهد ، قال : فأردت أن أقول : أحق به منك من ضربك عليه وأباك ، فخفت الفساد .

                                                                                      معمر : عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه وابن طاوس ، عن عكرمة بن خالد ، عن ابن عمر ، قال : دخلت على حفصة ونوساتها تنطف ، [ ص: 226 ] فقلت : قد كان من الناس ما ترين ، ولم يجعل لي من الأمر شيء . قالت : فالحق بهم ، فإنهم ينتظرونك ، . وإني أخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة ، فلم يرعه حتى ذهب . قال : فلما تفرق الحكمان ، خطب معاوية ، فقال : من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع إلي قرنه ، فنحن أحق بذلك منه ومن أبيه ; يعرض بابن عمر .

                                                                                      قال حبيب بن مسلمة : فهلا أجبته فداك أبي وأمي ؟ فقال ابن عمر : حللت حبوتي ، فهممت أن أقول : أحق بذلك منك من قاتلك وأباك على الإسلام . فخشيت أن أقول كلمة تفرق الجمع ، ويسفك فيها الدم ، فذكرت ما أعد الله في الجنان .

                                                                                      وقال سلام بن مسكين : سمعت الحسن يقول : لما كان من أمر الناس ما كان زمن الفتنة ، أتوا ابن عمر ، فقالوا : أنت سيد الناس وابن سيدهم ، والناس بك راضون ، اخرج نبايعك . فقال : لا والله لا يهراق في محجمة من دم ولا في سببي ما كان في روح .

                                                                                      جرير بن حازم : عن يعلى ، عن نافع ، قال : قال أبو موسى يوم التحكيم : لا أرى لهذا الأمر غير عبد الله بن عمر . فقال عمرو بن العاص لابن عمر : إنا نريد أن نبايعك ، فهل لك أن تعطى مالا عظيما على أن تدع [ ص: 227 ] هذا الأمر لمن هو أحرص عليه منك ؟ فغضب وقام . فأخذ ابن الزبير بطرف ثوبه ، فقال : يا أبا عبد الرحمن إنما قال : تعطي مالا على أن أبايعك . فقال : والله لا أعطي عليها ولا أعطى ولا أقبلها إلا عن رضا من المسلمين .

                                                                                      قلت : كاد أن تنعقد البيعة له يومئذ ، مع وجود مثل الإمام علي وسعد بن أبي وقاص ، ولو بويع ، لما اختلف عليه اثنان ، ولكن الله حماه وخار له .

                                                                                      مسعر : عن علي بن الأقمر ، قال : قال مروان لابن عمر : ألا تخرج إلى الشام فيبايعوك ؟ قال : فكيف أصنع بأهل العراق ؟ قال : تقاتلهم بأهل الشام . قال : والله ما يسرني أن يبايعني الناس كلهم إلا أهل فدك ، وأن أقاتلهم فيقتل منهم رجل . فقال مروان : إني أرى فتنة تغلي مراجلها والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا

                                                                                      وروى عاصم بن أبي النجود نحوا منها .

                                                                                      وهذا قاله وقت هلاك يزيد بن معاوية فلما اطمأن مروان من جهة ابن عمر ، بادر إلى الشام ، وحارب ، وتملك الشام ، ثم مصر .

                                                                                      أبو عوانة : عن مغيرة ، عن فطر قال : أتى رجل ابن عمر ، فقال : ما أحد شر للأمة منك ، قال : لم ؟ قال : لو شئت ما اختلف فيك اثنان . قال : ما أحب أنها - يعني الخلافة - أتتني ورجل يقول لا ، وآخر يقول بلى .

                                                                                      [ ص: 228 ] أبو المليح الرقي : عن ميمون بن مهران ، قال : دس معاوية عمرا وهو يريد أن يعلم ما في نفس ابن عمر ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ! ما يمنعك أن تخرج تبايعك الناس ، أنت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن أمير المؤمنين ، وأنت أحق الناس بهذا الأمر . فقال : قد اجتمع الناس كلهم على ما تقول ؟ قال : نعم ، إلا نفر يسير . قال : لو لم يبق إلا ثلاثة أعلاج بهجر لم يكن لي فيها حاجة . قال : فعلم أنه لا يريد القتال . فقال : هل لك أن تبايع من قد كاد الناس أن يجتمعوا عليه ويكتب لك من الأرضين والأموال ؟ فقال : أف لك ! اخرج من عندي ، إن ديني ليس بديناركم ولا درهمكم .

                                                                                      يونس بن عبيد : عن نافع ، قال : كان ابن عمر يسلم على الخشبية والخوارج وهم يقتتلون وقال : من قال " حي على الصلاة " أجبته ، ومن قال " حي على قتل أخيك المسلم وأخذ ماله " فلا .

                                                                                      قال نافع : أتى رجل ابن عمر ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ! ما يحملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد ؟ فقال : بني الإسلام على خمس : إيمان بالله ورسوله ، وصلاة الخمس ، وصيام رمضان ، وأداء الزكاة ، وحج البيت . فقال : يا أبا عبد الرحمن ، ألا تسمع قوله : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فقال : لأن أعتبر بهذه الآية ، فلا أقاتل ، أحب إلي من أن أعتبر بالآية التي يقول فيها : [ ص: 229 ] ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها فقال : ألا ترى أن الله يقول وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال : قد فعلنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ كان الإسلام قليلا ، وكان الرجل يفتن في دينه ، إما أن يقتلوه وإما أن يسترقوه ، حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة . قال فلما رأى أنه لا يوافقه ، قال : فما قولك في عثمان وعلي ؟ قال : أما عثمان ، فكان الله عفا عنه ، وكرهتم أن يعفو الله عنه . وأما علي فابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وختنه وأشار بيده هذا بيته حيث ترون .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية