الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
المهر والبيع

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو نكحها بألف على أن تعطيه عبدا يسوى ألفا فدفعت إليه ودفع إليها الألف ثم طلقها قبل أن يدخل بها ففيها قولان أحدهما أن المهر المسمى كالبيع فلا يختلف في هذا الموضع ومن قال هذا قال لأنه يجوز في شرطه مسمى ما يجوز في البيع ويرد فيه ما يرد في البيع فبهذا أجزنا أن يكون مع النكاح مبيع غيره ولم نرده لأنه يملك كله فإن انتقض الملك في الصداق بالطلاق فقد ينتقض في البيع بالشفعة ثم لا نمنع ما فيه الشفعة أن يكون كالبيوع فيما سوى هذا قال وهذا جائز لا نفسخ صداقها ولا نرده إلى صداق مثلها وهو على ما تراضيا عليه والثاني أنه لا يكون مع الصداق بيع وإذا وقع مثل هذا أثبتنا النكاح وكان لها صداق مثلها ورد البيع إن كان قائما .

وإذا كان مستهلكا فقيمته وبه يقول الشافعي قال وأصل معرفة هذا أن تعرف قيمة العبد الذي ملكته هي زوجها مع تمليكها إياه عقد نكاحها فإن كان قيمة العبد ألفا وصداق مثلها ألفا فأقسم المهر وهو ألف على قيمة العبد وعلى صداق مثلها فيكون العبد مبيعا بخمسمائة ويكون صداقها خمسمائة فينفذ العبد مبيعا بخمسمائة فإن قبض العبد ودفع إليها الألف ثم طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها من الصداق بمائتين وخمسين وذلك نصف ما أصدقها ولو مات العبد في يدها قبل يقبضه انتقض فيه البيع ورجع عليها بقيمة خمسمائة وكان الباقي صداقها فإن طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها من الصداق بمائتين وخمسين وإن لم يكن دفع الصداق دفع إليها مائتين وخمسين ولو لم يمت العبد ولكنه دخله العيب كان له الخيار في أخذه معيبا بجميع الثمن أو نقض البيع فيه .

قال ولو كان أصدقها عبدا بعينه على أن زادته [ ص: 71 ] ألف درهم كانت كالمسألة الأولى ينظر فإن كانت قيمة العبد ألفا ومهر مثلها ألفا وزيادتها إياه ألفا فلها نصف العبد بالصداق ونصفه الآخر بالألف فإن طلقها قبل الدخول بها رجع عليها ربع العبد وكان لها ثلاثة أرباعه نصفه بالألف وربعه بنصف المهر قال ومن أجاز هذا قال إنما منعني أن أنقض البيع كله إذا انتقض بعضه بالطلاق أني جعلت ما أعطاها مقسوما على الصداق والبيع فما أصاب الصداق ونصف الصداق كالمستهلك لأن النكاح لا يرد كما ترد البيوع فلم يكن لي أن أرد البيع كله وبعضه مستهلك إنما أرد البيع كله إذا كان المبيع قائما بعينه فإذا ذهب بعضه لم أرد الباقي منه بحال فأكون قد نقضت البيعة ورددت بعضها دون بعض .

قال ولو تزوجها بعبد بعينه وألف درهم على أن تعطيه عبدا بعينه ومائة دينار وتقابضا قبل أن يتفرقا كان النكاح جائزا وينظر إلى قيمة العبد الذي تزوجها عليه مع الألف فإن كان ألفا فالصداق ألفان فيقسم الألفان على مهر مثلها والعبد الذي أعطته والمائة الدينار فإن كان صداق مثلها ألفا وقيمة العبد الذي أعطته ألفا وقيمة المائة الدينار ألفين فالعبد الذي أعطته مبيع بخمسمائة والمائة الدينار مبيعة بألف وصداقها خمسمائة لأن ذلك كله في العبد الذي أصدقها والدراهم الألف يملك بكل شيء فما أعطته من عقدتها والعبد والمائة الدينار بقدر قيمته من العبد والألف فإن طلقها قبل أن يدخل بها سلمت له المائة والعبد ورجع عليها بمائتين وخمسين في كل ما أعطاها من العبد بحصته ومن الألف بحصتها ، فيكون له من الألف التي أعطاها مائة وخمسة وعشرين ، ومن العبد قيمة مائة وخمسة وعشرين وذلك ثمنه ، وإن كانا لم يتقابضا قبل أن يتفرقا فسد الصداق لأن فيه صرفا مستأخرا وما كان فيه صرف لم يصلح أن يتفرقا حتى يتقابضا ولها صداق مثلها ، قال : ولو أصدقها ألفا على أن ردت إليه ألفا أو خمسمائة كان النكاح ثابتا والصداق باطلا ولها مهر مثلها لا تجوز الدراهم بالدراهم إلا معلومة ومثلا بمثل ، وأقل ما في هذا أن الخمسمائة وقعت من الألف بما لا يعرف عند عقد البيع ألا ترى أن مهر مثلها يكون ألفا فتكون الخمسمائة بثلث الألف ويكون مائة فتكون الخمسمائة بتسعمائة ، ولو كان مهر مثلها خمسمائة لم يجز من قبل أن الصفقة وقعت ولا يدرى كم حصة الدراهم التي أعطته من الدراهم التي أعطاها ولا يصلح فيهما حتى يفرق فيه عقد الصرف من عقد البيع فتكون الدراهم بدراهم مثلها وزنا بوزن ويكون الصداق معلوما غيرها .

قال وإذا كانت الدنانير بدراهم فكانت نقدا يتقابضان قبل أن يتفرقا فلا بأس بذلك لأنه لا بأس بالفضل في بعضها على بعض يدا بيد ، قال : ولو تزوجها على ثياب تسوى ألفا على أن زادته ألفا وكان صداق مثلها ألفا فكان نصف الثياب بيعا لها بالألف ونصفها صداقها فإن طلقها قبل الدخول فلها ثلاثة أرباع الثياب نصفها بالبيع ونصف النصف بنصف المهر ( قال الربيع ) هذا كله متروك لأن الشافعي رجع عنه إلى قول آخر .

قال : ولو طلقها قبل الدخول ولم يكن دفع الثياب إليها حتى هلكت في يديه ورد عليها الألف التي قبض منها إن كان قبضها وإن لم يكن قبضها لم يدفع إلي منها شيء لأنه قد هلك ما اشترت منه قبل قبضه فلا يلزمها ثمنه وأعطاها نصف مهر مثلها من قيمة الثياب وذلك ربع قيمة الثياب مائتان وخمسون درهما فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه . قال : ولو تزوجها على أبيها وأبوها يسوى ألفا أو على ابنها وابنها يسوى ألفا على أن زادته ألفا ومهر مثلها ألف فدفع إليها أباها أو لم يدفعه فسواء والنكاح ثابت والمهر جائز وأبوها ساعة ملكته حر لأن ملكها إياه ساعة ملك عقدة نكاحها وكذلك ابنها إن كان هو [ ص: 72 ] الصداق ويلزمها أن تعطيه الألف التي زادته فإن طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بمائتين وخمسين وذلك نصف صداقها لأن أباها كان بيع بخمسمائة فسلم لها حين عتق فصار صداقها خمسمائة فرجع عليها بنصفها وهو مائتان وخمسون .

فإن قال قائل : فأراك أنزلت صدقات النكاح منزلة البيوع وأنت تقول المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا فيكون المرأة والرجل بالخيار في الصداق ما لم يتفرقا ، قيل لا ، فإن قال قائل : فما فرق بينهما ؟ قيل إنا لما جعلنا - ولم يخالفنا أحد علمناه - النكاح كالبيوع المستهلكة فقلنا إذا كان الصداق مجهولا فللمرأة مهر مثلها ولا يرد النكاح كما قلنا في البيع بالشيء المجهول يهلك في يدي المشتري وفي البيع المعلوم فيه الخيار لصاحبه فيه قيمته حكمنا في النكاح إذا كان حكمه لا يرد عقده أنه كبيع قد استهلك في يد مشتريه ، ألا ترى لو أن رجلا اشترى من رجل عبدا على أنه بالخيار يومه أو ساعته فمات قبل مضي وقت الخيار لزمه بالثمن لأنه ليس ثم عين ترد والنكاح ليس بعين ولا يكون للمتناكحين خيار لما وصفت .

قال : ولو تزوج الرجل المرأة فأصدقها ألفا وردت عليه خمسمائة درهم فالنكاح ثابت والصداق باطل ولها مهر مثلها تقابضا قبل أن يتفرقا أو لم يتقابضا لأن حصة الخمسمائة درهم من الألف مجهولة لأنها مقسومة على ألف وصداق مثلها . وهكذا لو تزوجها بألف على إن ردت عليه ألفا كان الصداق باطلا وهي مثل المسألة قبلها وزيادة أنها لو كانت ألفا بألف وزيادة كان الربا في الزيادة أو النكاح بلا حصة من المهر فيكون لها صداق مثلها ويبطل البيع في الألف .

وهكذا لو نكحها بمائة إردب حنطة على أن ردت عليه مائة إردب حنطة أو أقل أو أكثر . وهكذا كل شيء أصدقها إياه وردت عليه شيئا منه مما في الفضل في بعضه على بعض الربا لم يجز فلا يجوز من هذا شيء حتى يسمي حصة مهرها مما أصدقها وحصة ما أخذ منها ، فإذا أصدقها ألفا على أن حصة مهرها خمسمائة وردت عليه خمسمائة بخمسمائة وكان هذا فيما في بعضه على بعض الربا ففيها قولان أحدهما : أن هذا جائز . ومن قال هذا القول قال لو أصدق امرأتين ألفا كان النكاح ثابتا وقسمت الألف بينهما على مهور مثلهما فكان لكل واحدة منهما فيها بقدر مهر مثلها كان مهر مثل إحداهما ألفا ومهر الأخرى ألفين فيكون لصاحبة الألف ثلث الألف ولصاحبة الألفين ثلثا الألف ، ولو أصدقها أباها عتق ساعة عقد عليها عقد النكاح ولم يحتج إلى أن يتفرقا كما يحتاج إليه في البيع ويتم تملكها الصداق بالعقد ، وإن كان به عيب ينقصه عشر قيمته رجعت عليه بعشر مهر مثلها ، ولو طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بنصف قيمة أبيها يوم قبضته منه .

وكذا لو مات أبوها رجع بنصف قيمته يوم قبضته منه ولا يرد عتقه ، وكذلك لو أفلست أو أصدقها أباها وهي مفلسة ثم طلقها لم يكن له نصفه ولا للغرماء منه شيء لأنه يعتق ساعة يتم ملكه بالعقد ، ولو أصدقها أباها وهي محجورة كان النكاح ثابتا وصداق أبيها باطلا لأنه لا يثبت لها عليه ملك وكان لها عليه مهر مثلها .

وكذلك لو كانت محجورة فأمهرها أمها بأمر أبيها وهو وليها أو ولي لها غيره لأنه ليس لأبيها ولا لولي غيره أن يعتق عنها ولا يشتري لها ما يعتق عليها من ولد ولا والد ، قال ولو كانت غير محجورة فأصدقها أباها وقيمته ألف أو ألفان ثم طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بنصف قيمة أبيها وهي خمسمائة وخمسمائة نصف الألف ، ولو أصدقها أباها وهو يسوى ألفا على أن تعطيه أباه وهو يسوى ألفا وصداق مثلها ألف فأبوه بيع له بصداق مثلها وبأبيها ونصف أبيها لها [ ص: 73 ] بالصداق ونصفه بأبيه فيعتق أبواهما معا ، وإن طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بربع قيمة أبيها وذلك مائتان وخمسون وهو نصف حصة صداق مثلها ، قال ولو أصدقها عبدا يسوى ألفا وصداق مثلها ألف على أن زادته عبدا يسوى ألفا فوجد بالعبد الذي أعطته عيبا كان فيها قولان .

أحدهما : يرده بنصف عبده الذي أعطاها لأنه مبيع بنصفه وكان لها نصف العبد الذي أعطاها فإن طلقها رجع عليها بربع العبد الذي أصدقها وهو نصف صداقه إياها وكان لها ربعه لأنه نصف صداقها . والقول الثاني : أنه إذا جاز أن يكون بيعا أو نكاحا أو بيعا أو إجارة لم يجز لو انتقص الملك في العبد الذي أصدقها بعيب يرد به أو بأن يستحق أو بأن يطلقها فيكون له بعضه إلا أن تنتقض الصفقة كلها فترد عليه ما أخذت منه ويرد عليها ما أخذ منها ويكون لها مهر مثلها ، كما لو اشترى رجل عبدين فاستحق أحدهما انتقض البيع في الثاني أو وجد بأحدهما عيبا فأبى إلا أن يرد انتقض البيع في الثاني إذا لم يرد أن يحبس العبد على العيب .

والقول الثاني أنه لا يجوز أن يعقد الرجل نكاحا بصداق على أن تعطيه المرأة شيئا قل ولا كثر من بيع ولا كراء ولا إجارة ولا براءة من شيء كان لها عليه من قبل أنه إذا أصدقها ألفين ومهر مثلها ألف فأعطته عبدا يسوى ألفا ثم طلقها قبل أن يدخل بها انتقض نصف حصة مهر مثلها وثبت نصفها ، فإن جعلت البيع منها نقضت نصفه ولم أجد شيئا جمعته صفقة ينتقض إلا معا ولا يجوز إلا معا فإن جعلته ينتقض كله فقد انتقض بغير عيب ولا انتقاض لنصف حصة عقدة النكاح فدخله ما وصفت أولى من أن ينتقض بعض الصفقة دون بعض .

وإن لم أجعله ينتقض بحال فقد أجزت بيعا معه بغير ملك قد انتقض بعضه ووقع البيع عليه بحصة من الثمن غير معلومة لأن مهر مثلها ليس بمعلوم حتى يسأل عنه ويعتبر بغيرها . فإن قال قائل : قد تجمع الصفقة بيع عبدين معا ؟ قيل نعم : يرقان فيسترقان معا وتنتقض الصفقة في أحدهما فتنتقض في الآخر حين لم يتم البيع وليس هكذا النكاح ( قال الربيع ) وبهذا يأخذ الشافعي وبه أخذنا . قال ومن قال هذا القول لم يجز أن ينكح الرجل امرأتين بألف ولا يبين كم لكل واحدة منهما من الألف ، وأثبت النكاح في كل ما وصفت وأجعل لكل منكوحة على هذا صداق مثلها إن مات أو دخل بها ونصف صداق مثلها إن طلقها قبل أن يدخل بها .

وكذلك لا يجوز أن ينكح الرجل المرأة بألف على أن تبرئه من شيء كان لها عليه قبل النكاح ولا ينكحها بالألف على أن تعمل له عملا ولا ينكحها بالألف على أن يعمل لها عملا لأن هذا نكاح وإجارة لا تعرف حصة النكاح من حصة الإجارة ونكاح وبراءة لا تعرف حصة النكاح من حصة البراءة . فعلى هذا ، هذا الباب كله وقياسه ( قال الربيع ) وبه يقول الشافعي ( قال الشافعي ) وإذا أصدقت المرأة العبد أو الأمة فكاتبتهما أو أعتقتهما أو وهبتهما أو باعتهما أو دبرتهما أو خرجا من ملكها ثم طلقت قبل أن يدخل بها لم ترد من ذلك شيئا إذا طلقها الزوج قبل أن يدخل بها ويرجع عليها بنصف قيمة أي ذلك أصدقها يوم دفعه إليها ، ولو دبرت العبد أو الأمة فرجعت في التدبير ثم طلقها والعبد بحاله رجع في نصفه .

وإن طلقها قبل أن ترجع في التدبير لم يجبر على أخذه وإن نقضت التدبير لأن نصف المهر صار له والعبد أو الجارية محول دونه بالتدبير لا يجبر مالكه على نقض التدبير فلما لم يكن يجبر عليه كان حقه مكانه في نصف قيمته فلا يتحول إلى عبد قد كان في ثمن بمشيئتها إذا لم تكن مشيئته في أن يأخذ العبد أو الأمة ويقال له انقض التدبير .

التالي السابق


الخدمات العلمية