الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      قال عطاء الخفاف : ما لقيت سفيان إلا باكيا ، فقلت : ما شأنك ؟ قال : أتخوف أن أكون في أم الكتاب شقيا

                                                                                      قال ابن مهدي : جر أمير المؤمنين سفيان إلى القضاء ، فتحامق عليه ليخلص نفسه منه ، فلما علم أنه يتحامق ، أرسله ، وهرب هو . . . ، وذكر الحكاية . رواها محمد بن إسحاق بن الوليد ، عن عبد الله أخي رسته ، عنه . ابن المبارك : عن سفيان ، قال : ليس بفقيه من لم يعد البلاء نعمة ، والرخاء مصيبة .

                                                                                      قال ابن وهب : رأيت الثوري في الحرم بعد المغرب ، صلى ثم سجد سجدة ، فلم يرفع حتى نودي بالعشاء . وبه : قال أبو نعيم : حدثنا الطبراني ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا عارم ، قال : أتيت أبا منصور أعوده ، فقال لي : بات سفيان في هذا البيت ، وكان هنا بلبل لابني ، فقال : ما بال هذا محبوسا ؟ لو خلي عنه . قلت : هو لابني ، وهو يهبه لك . قال : لا ، ولكن أعطيه دينارا . قال : فأخذه ، فخلى عنه ، فكان يذهب ويرعى ، فيجيء بالعشي ، فيكون في ناحية البيت ، فلما مات سفيان ، تبع جنازته ، فكان يضطرب على قبره ، ثم اختلف بعد ذلك ليالي إلى قبره ، فكان ربما بات عليه ، وربما رجع إلى البيت ، ثم وجدوه ميتا عند قبره ، فدفن عنده .

                                                                                      أبو منصور - هو بسر بن منصور السليمي - : كان سفيان مختفيا عنده بالبصرة بعد أن خرج من دار عبد الرحمن بن مهدي ، قاله الطبراني . وفي غير حكاية : أن سفيان كان يقبل هدية بعض الناس ، ويثيب عليها . [ ص: 267 ] وعن ابن مهدي ، قال : ما كنت أقدر أن أنظر إلى سفيان استحياء وهيبة منه

                                                                                      وقال إسحاق بن إبراهيم الحنيني : قال لنا الثوري - وسئل - قال : لها عندي أول نومة تنام ما شاءت ، لا أمنعها ، فإذا استيقظت ، فلا أقيلها والله .

                                                                                      الحسين بن عون : سمعت يحيى القطان يقول : ما رأيت رجلا أفضل من سفيان ، لولا الحديث كان يصلي ما بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، فإذا سمع مذاكرة الحديث ، ترك الصلاة ، وجاء .

                                                                                      وقال خلف بن إسماعيل : قلت لسفيان : إذا أخذت في الحديث نشطت وأنكرتك ، وإذا كنت في غير الحديث كأنك ميت ! فقال : أما علمت أن الكلام فتنة ؟

                                                                                      قال مهران الرازي : رأيت الثوري إذا خلع ثيابه طواها ، وقال : إذا طويت ، رجعت إليها نفسها .

                                                                                      وقيل : التقى سفيان والفضيل فتذاكرا ، فبكيا ، فقال سفيان : إني لأرجو أن يكون مجلسنا هذا أعظم مجلس جلسناه بركة . فقال له فضيل : لكني أخاف أن يكون أعظم مجلس جلسناه شؤما ، أليس نظرت إلى أحسن ما عندك ، فتزينت به لي ، وتزينت لك ، فعبدتني وعبدتك ؟ فبكى سفيان حتى علا نحيبه ، ثم قال : أحييتني أحياك الله .

                                                                                      أبو سعيد الأشج : سمعت أبا عبد الرحمن الحارثي يقول : دفن سفيان كتبه ، فكنت أعينه عليها فقلت : يا أبا عبد الله ! و في الركاز الخمس [ ص: 268 ] فقال : خذ ما شئت . فعزلت منها شيئا ، كان يحدثني منه . عن يعلى بن عبيد : قال سفيان : لو كان معكم من يرفع حديثكم إلى السلطان ، أكنتم تتكلمون بشيء ؟ قلنا : لا . قال : فإن معكم من يرفع الحديث .

                                                                                      وعن سفيان : الزهد في الدنيا هو الزهد في الناس ، وأول ذلك زهدك في نفسك .

                                                                                      عبد الله بن عبد الصمد بن أبي خداش : حدثنا زيد بن أبي الزرقاء ، سمعت الثوري يقول : خرجت حاجا أنا وشيبان الراعي مشاة ، فلما صرنا ببعض الطريق ، إذا نحن بأسد قد عارضنا ، فصاح به شيبان ، فبصبص وضرب بذنبه مثل الكلب ، فأخذ شيبان بأذنه ، فعركها ، فقلت : ما هذه الشهرة لي ؟ قال : وأي شهرة ترى يا ثوري ؟ لولا كراهية الشهرة ، ما حملت زادي إلى مكة إلا على ظهره .

                                                                                      الحسن بن علي الحلواني : سألت محمد بن عبيد : أكان لسفيان امرأة ؟ قال : نعم ، رأيت ابنا له ، بعثت به أمه إليه ، فجاء ، فجلس بين يديه ، فقال سفيان : ليت أني دعيت لجنازتك . قلت لمحمد : فما لبث حتى دفنه ؟ قال : نعم .

                                                                                      وعن سفيان : من سر بالدنيا ، نزع خوف الآخرة من قلبه . [ ص: 269 ] وعنه : وملكا كبيرا قال : استئذان الملائكة عليهم . الفريابي : سمعت الأوزاعي وسفيان يقولان : لما ألقي دانيال في الجب مع السباع ، قال : إلهي ! بالعار والخزي الذي أصبنا سلطت علينا من لا يعرفك .

                                                                                      وقال الخريبي : جلست إلى إبراهيم بن أدهم فكأنه عاب على سفيان ترك الغزو ، وقال : هذا الأوزاعي يغزو وهو أسن منه . فقلت لبهيم : ما كان يعني سفيان في ترك الغزو ؟ قال : كان يقول : إنهم يضيعون الفرائض .

                                                                                      قال حفص بن غياث : كنا نتعزى عن الدنيا بمجلس سفيان .

                                                                                      خلف بن تميم : سمعت سفيان يقول : وجدت قلبي يصلح بين مكة والمدينة ، مع قوم غرباء ، أصحاب صوف وعباء .

                                                                                      وعن وكيع قال : قالت أم سفيان لسفيان : اذهب ، فاطلب العلم حتى أعولك بمغزلي ، فإذا كتبت عدة عشرة أحاديث ، فانظر هل تجد في نفسك زيادة ، فاتبعه ، وإلا فلا تتعن .

                                                                                      قال الأوزاعي : لم يبق من يجتمع عليه العامة بالرضى والصحة ، إلا ما كان من رجل واحد بالكوفة - يعني سفيان - . قال وكيع : كان سفيان بحرا .

                                                                                      وقال ابن أبي ذئب : ما رأيت رجلا بالعراق يشبه ثوريكم هذا .

                                                                                      وقال ابن إدريس : ما رأيت بالكوفة من أود أني في مسلاخه إلا سفيان . [ ص: 270 ]

                                                                                      قال الفريابي : زارني ابن المبارك ، فقال : أخرج إلي حديث الثوري ، فأخرجته إليه ، فجعل يبكي حتى أخضل لحيته ، وقال : رحمه الله ، ما أرى أني أرى مثله أبدا .

                                                                                      وقال زائدة : سفيان أفقه أهل الدنيا .

                                                                                      قال زيد بن أبي الزرقاء : كان المعافى يعظ الثوري ، يقول : يا أبا عبد الله ! ما هذا المزاح ؟ ليس هذا من فعل العلماء . وسفيان يقبل منه .

                                                                                      روى ضمرة ، عن سفيان قال : يثغر الغلام لسبع ، ويحتلم بعد سبع ، ثم ينتهي طوله بعد سبع ، ثم يتكامل عقله بعد سبع ، ثم هي التجارب .

                                                                                      قال أبو أسامة : مرض سفيان ، فذهبت بمائه إلى الطبيب ، فقال : هذا بول راهب ، هذا رجل قد فتت الحزن كبده ، ما له دواء .

                                                                                      قال ضمرة : سمعت مالكا يقول : إنما كانت العراق تجيش علينا بالدراهم والثياب ، ثم صارت تجيش علينا بسفيان الثوري . وكان سفيان يقول : مالك ليس له حفظ .

                                                                                      قلت : هذا يقوله سفيان لقوة حافظته بكثرة حديثه ورحلته إلى الآفاق ، وأما مالك ، فله إتقان وفقه ، لا يدرك شأوه فيه ، وله حفظ تام ، فرضي الله عنهما .

                                                                                      وقال أبو حاتم الرازي : سفيان فقيه حافظ زاهد إمام ، هو أحفظ من شعبة .

                                                                                      وقال أبو زرعة : سفيان أحفظ من شعبة في الإسناد والمتن . [ ص: 271 ]

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية